Sunday, December 02, 2007

تصحيح مسار



أليس حبِّت توضح الموضوع: "بس أنا مش عاوزه أبقى وسط ناس مجانين".

القطة المشمشي ردت: "ما في اليد حيلة خلاص. إحنا كلنا هنا مجانين. أنا مجنونة. إنتي مجنونة".

أليس استغربت جدًا وقالت: "بس إزاي عرفتي إني مجنونة؟".

القطة المشمشي اتنهدت وقالت بحكمة ولا مبالاة كعادتها: "إنتي أكيد مجنونة.. وإلا ما كنتيش جيتي هنا".


ترجمة بتصرف لقطعة من الفصل السادس من أليس في بلاد العجائب

Sunday, October 14, 2007

على بياض




الصفحة البيضاء هي الموت، هي قبري الذي ينتظرني. افتحها وانظر فيها فتحدق هي فيّ، ويكون علىّ أن أرمي فيها بنفسي، أو بأي شيء آخر فداًء لي. أشق أطراف أصابعي، شقوق صغيرة، لعل الكلام ينسال منها ببساطة، ولكن البوح يستعصى على التبسيط.

أفكر: إذا أملت رأسي هكذا قد تأتي الكتابة، أو إذا شربت زجاجة مكتوب عليها "المُر"، أو إذا تنفست هواًء نظيفًا، أو إذا جلست وحدي بعض الوقت، أو إذا مشيت تجاه الحائط مباشرة وخبطت رأسي فيه. ولكن لعنتي هي أن الكتابة لا تأتي مع ميل في الرأس أو هواء في الرئة، بل تأتي وأنا متعبة للغاية، وأنا نائمة، وأنا ينتظرني الكثير من الغسيل، وأنا أقود لمسافة طويلة وبجواري يجلس حوار مُجْهِـد.

الصفحة البيضاء هي النداهة: تهمس من بعيد، فأترك كل شيء وأتبعها؛ أقوم من النوم، أترك حوار في منتصفه، أنظر دون أن أرى، أفتعل تعبيرات بوجهي دون أن أسمع أي شيء مما قيل، وتنغلق كل حواسي وأسير بالدفع الذاتي.

لا أستطيع أبدًا أن أفتح صفحة بيضاء وأجلس أمامها في انتظار الكتابة. ولكن تأتيني كلمة، فأُمسك بمقشة كبيرة وأكنس دماغي من الداخل جيدًا، ثم اغسلها من فوقها لتحتها بماء بارد والكثير من الصابون برائحة اللافندر، ثم اجففها، وأُفسح المجال لتلك الكلمة لتأخذ أي شكل تريده. من هذه اللحظة لا تصبح دماغي فوق رأسي، ولا أستطيع أن أتحكم فيها، ولا حتى أن أتذرع بهرشها لأتأكد من أنها مازالت هناك، أعلى رقبتي.

يمكنني في أي وقت أن أغمض عيني، فأرى دماغي وكأنها جهاز صُنع غزل البنات: تضع السكر في منتصفه، وتضع العصا الصغيرة في الجهاز وتديره. يسخن الجهاز، وتتجمع حول العصا خيوط رفيعة من الغزل، وتظل العصا تلف وتدور، والغزل يكبر ويكبر، وهناك طفل يبكي لأنه يريد غزل البنات الآن.. فورًا، وآخر لا يريد أن تكون له أية علاقة بكل هذا اللف والدوران. لا تتوقف دماغي عن الدوران أبدًا. يتجمع الغزل ويملأ زوايا وأركان دماغي، بل يتجمع ويتجمع ويغطي أثاث دماغي، وكل أجهزته الكهربائية. وأجدني، في المرة التالية التي تأتيني فيها كلمة، أغرق في كل هذا الكم من غزل البنات، ويكون علىّ، في كل مرة، أن أبدأ من البداية لأفك كل هذه الخيوط.

الصفحة البيضاء هي الاحتمالات اللامتناهية، هي الشاسع والمطلق والرحِب..

.. ويكمن فيها أيضًا احتمال الخرس. تصبح الصفحة البيضاء عندها موت هزلي، غير بطولي بالمرة، ونهاية لحياة ماسخة مرت دون أن يلاحظها أحد، ولا حتى صاحبتها. تصبح الصفحة نقطة في نهاية جملة العَيْش.

غزل البنات..

سكر نبات..

تبات ونبات..

صبيان وبنات..

لكن – في الواقع – أبوك السقا.. مات.

* الصورة إهداء خاص من يسرا

Wednesday, August 22, 2007

المرجيحة





لأنها تخاف المرتفعات، لم تثق أبداً في قمة السعادة...ولا قمة التعاسة. تجلس دائماً على المرجيحة المعلقة بين القمتين. فكل سعادة تحمل نُذُر تعاستها، وكل تعاسة تحمل بشائر سعادتها. في السعادة، تتذكر الغائبين، وتتساءل عن دوام تلك السعادة. في التعاسة، يخرج لها القط مبتسماً فجأة من وراء الستائر، أو تأتي قهوتها مضبوطة. من على المرجيحة وصلت إلى الحكمة: كل شيء نسبي، والحياة مراحل.

لأنها تخاف المرتفعات، لم تسع أبداً لقمة السعادة أو قمة التعاسة. ولكنها، ولقِصر قامتها، لم تستطع أيضاً أن تلمس أرض الواقع أو قاع الوهم. لذلك تقضي وقتها على المرجيحة، تدغدغ الهواء بقدمها وتدندن بجدية. وإذا رأت الشمس ساطعة، أخذت معطفها؛ وإذا هبت عاصفة مطيرة، أخذت المايوه.

* الصورة إهداء خاص من ماعت

Thursday, May 10, 2007

إمبارح كان عمري عشرين






والنهارده تلاتين!

الاحتفالات تعم البلاد، وأنا فاتحة شباك الأحلام ع الآخر وسايبة باب القلب مردود...لما نشوف :)

اللوحة لسلفادور دالي



Saturday, April 21, 2007

طاقة نور


هناك نافذة صغيرة، "طاقة نور"، يمكنها—إذا وضعت الكرسي الطويل تحتها—أن تسند ذقنها على حافتها لترى السماء. لا جزء من السماء، ولا لون من السماء، ولكن السماء...كلها. تجلس لساعات طويلة شاردة، مؤمنة بأن بعد عدد معين من الساعات ستنطبع السماء على روحها...كلها.

تراهم يحلقون هنا وهناك، متشابكين أو متفرقين، مقتربين أو مبتعدين. عادةً لا تستطيع التمييز بين ذهابهم وإيابهم. قد ترى حرف هنا، وآخر مشبوك فيه، الهاء تجر الراء، والراء تجر الباء، ثم تفلتها وتحلق وحدها. بعد الكثير من المراقبة أدركت أن لديهم رسالة ما، ولكن ليس لديهم خطة محددة. مثلها تماماً. تراهم فرادى وجماعات، حروف أو كلمات، وتشفق عليهم لأن كل جهودهم معها تذهب سدى. تتمنى لو يقتربوا ويرتطموا بوجهها، فيسيل الكلام من النافذة منيراً السماء وغاسلاً الروح.

. . . . . . . . . . .

هناك كيان ضخم لزج، بني اللون، ليس له ظل، يزحف متلصصاً في أرجاء الكون، يطفئ في طريقه كل الأنوار، ويعتصر كل الآمال، ببطء وروية. لا داعٍ للاستعجال. كل سينطفئ في وقته. تراه بطرف عينها يقترب. لا تنظر خلفها أبداً. تشعر بالأنوار تنطفئ من حولها، الواحد تلو الآخر، ولكنها تعرف أن في اللحظة التي ستعترف فيها بوجوده، ستنطفئ. تركز بصرها على طاقة النور وتجلس منتظرة.

. . . . . . . . . . .

هناك طائر أسود كبير، كبير، يعرف اسمها وتعرفه من طيرانه الأعرج، وعندما ينادي عليها ستضع الكرسي فوق الكرسي وتقفز.

. . . . . . . . . . .

هناك نافذة صغيرة، "طاقة نور"، يتدلى منها حروف بنية، وريش أسود، وحلم بسيط، ونور خافت، وبعض السحابات الخاوية.

Monday, February 19, 2007

الحواديت في الشارع


لأول مرة من ساعة ما بدأت اكتب حد يقوم بتحليل جاد لكتابتي. اختلف واتفق مع التحليل في كام نقطة هنا وهناك، لكن بشكل عام أنا ممتنة للغاية لعبد الحق على وقته وجهده وقراءته وعرضه. أينعم أنا حاسة إني بعد كل التحليل ده مش هاعرف اكتب تاني أبداً، لكن قراءة الكلام ده أفادني جداً في تقييم نفسي ومراجعة فكرتي عني وعن اللي بكتبه...ودي حاجة كنت محتاجة أعملها من زمان :)

Sunday, February 04, 2007

أيام القط الأسود



أنا أحيا حياة بسيطة للغاية. في أغلب الأيام أستيقظ من النوم قبل المنبه بدقائق، وأستعد لمقابلة الدنيا، وأنزل للشارع. أقابل القط الأسود، وينقبض قلبي، وأبدأ يومي. ظل القط الأسود هو أول من أراه في الشارع صباح كل يوم، سواء كنت في القاهرة، أو الأسكندرية، داخل مصر أو خارجها، في مدينة نصر أو المعادي أو المهندسين. أيام عملي في مصر الجديدة، كان إذا لم يقابلني في الصباح أسفل عمارتي، أجده يمشي على سور الحديقة التي يطل عليها شباك مكتبي. نفس القط الأسود، بنفس العيون الخضراء، ونفس التعبير اللامبالي. إذا كان اقترب مني في أي يوم من هذه الأيام طوال السنوات الماضية، لقلت إنه روح تحرسني، أو شخص أعرفه محبوس في جسد قط. ولكن كلا، لم يحاول القط الأسود أبداً أن يقول لي شيئاً. مع الوقت أصبحت أبحث عنه كل صباح، وأقلق إذا لم أجده، وعندما أجده ينقبض قلبي، وأحاول أن أنظر في عينيه ولكنه يتجاهلني ويمضي.

استمر هذا النظام لحياتي طوال السنوات العشر الأخيرة، حتى بدأت مرحلة حبي للقطط من سنتين. ومنذئذ وأنا أهز رأسي للقط الأسود في الصباح محيية إياه كل يوم. وهو، شامخ كتماثيل القطط الفرعونية، لا يكترث بتحيتي ويمضي لأمور أهم.

بعد تفكير عميق أدركت أن أفضل حل للتخلص من القط الأسود هو اقتنائه. خيل إلىّ أن ربما إذا نجحت في جعله ملكي سيحبني ويفتح قلبه ويوضح لي دوره في حياتي. بدأت في رحلة بحث سرية (لإن أمي تكره القطط وما عادت ترغب فيهم بالبيت) عن قطي الأسود بعيونه الخضراء. قررت أن اسمه سيكون جعفر، وأخذت أتحدث عنه مع أصدقائي، وأضع صوره في كل مكان. رأيت الكثير من القطط السوداء، ولكن أبداً لم يكن جعفر بينهم. خطر لي أن أجري خلفه في الصباح عندما أقابله وأمسك به، ولكن شعرت أن مثل هذا الفِعل قد يعطيه الانطباع الخاطئ عني، ويجعلني أبدو كخطافة قطط، ومن سيريد أن يفتح قلبه لإنسانة طاردته في الشوارع وهزت هيبته أمام القطط المشمشية والرمادية؟

ولكني اليوم أستيقظت بقرار حاسم: أنا لا أريد أن أقتني جعفر أبداً. سيعيش جعفر في خيالي كغاية، كرمز، كتذكِرة لي بكل أحلامي التي تتسرب من يدي عندما أطاردها، وتأتيني عندما أزهدها. لا أريده حبيساً، بل حراً ووحشياً كأفكاري، حتى لو تجاهلني، حتى لو لم أعرف أبداً سبب وجوده في حياتي.

قمت من سريري وأعددت نفسي لهذا الصباح ونزلت الشارع. كان علىّ أن أسير قليلاً حتى سيارتي. نظرت بجواري وإذ بقط أبيض يقفز فوق بركة مياه كبيرة بمنتهى الرشاقة والرقي، ليهبط على الجانب الآخر بدون أن يمس الماء، ويجلس في ثبات وثقة وكأن هذه القفزة العملاقة هي أقل ما يمكن أن يؤديه من أفعال مبهرة. ضحِكت وقلت في سري: "يا سلام؟ يعني خلاص، مش عايز تبل رجلك للدرجة دي؟" فالتفت لي القط وقال "مياو"، فقلت "مياو" وهززت رأسي محيية وأخرجت مفاتيحي. وقبل أن أهم بفتح السيارة أدركت ما حدث، فجمدت في مكاني والتفتّ ببطء: نعم، إنه قط، وأبيض، وقال لي مياو. أجلت النظر حولي فيما أراه من الشارع. لا أثر لجعفر. نظرت للقط الأبيض، واقتربت بتمهل وقلت له مياو، فقال مياو، واقترب. رَبتّ على رأسه ودلكت أسفل ذقنه، فقال مياو أطول من الأولى، وأدار رأسه في يدي يميناً ويساراً ليحصل على أكبر قدر من الدفء.

استدرت وركبت السيارة، وأدرت المحرك وأنا أعرف أنني لن أرى جعفر بعد اليوم. أبداً.