Saturday, December 09, 2006

محاولة لترجمة الحياة


بصعوبة بالغة أجد مكان لسيارتي الصغيرة في شارع جانبي متفرع من شارع الشيخ ريحان. ألعن نفسي لأنني لم أفكر في صعوبة صف السيارة، وبالتالي تأخرت على حصة الترجمة الفورية، أول حصة بعد العيد. أحاول ألا أدع توجيهات السايس المتضاربة—والتي يكيلها لي بصوتٍ عالٍ كلكمات سمعية—تزعجني. ألملم أغراضي وأضع المحمول ومفاتيح السيارة في حقيبتي. التقط كراستي ثم أُعيد النظر في الحقيبة لأتأكد من وجود مفاتيح السيارة بها. أخرج من السيارة وأُعطي السايس "الإتاوة"، ثم قبل أن أغلق باب السيارة أتأكد من وجود المفاتيح في الحقيبة.

من آخر الشارع نصف المظلم تقترب مجموعة من الأولاد والبنات في سن المدرسة. أرى أن مجموعة الأولاد يسيرون خلف وأمام وبجوار مجموعة البنات. الأولاد يعاكسون البنات، والبنات يضحكن أو يسرعن أو يتمايلن أو ينهرن الأولاد. فجأة اسمع من خلفي صوت طفولي يسب البنات بأقذع الشتائم! استدير لأرى ولد لا يمكن أن يتعدى الثانية عشرة من عمره. يشتمهن ثم يجري. يتكهرب الجو. استمر في السير ببطء وأرى أن الأولاد أخذوا في الاقتراب أكثر من البنات، والتطاول عليهم بالكلام، والبنات توترن وأخذن في الرد على الأولاد. يتعالى الصياح وأنا أحث الخطى لألحق بحصتي.

(على المترجم الفوري أن يحاول فهم السياق جيداً).

يخفق قلبي بعنف حتى أشعر به يضغط على رقبتي ويكتم أنفاسي. قبل أسبوع من اليوم، وفي مكان قريب من هنا، اعتدى مجموعة من الشباب على بنات بالجملة، ليلة العيد، وفي واحد من أكثر شوارع القاهرة ازدحاماً. ما الذي يمكن أن يحدث هنا الآن؟

(وأن تكون لديه سرعة استجابة ليعرف كيف يتصرف في المواقف غير المتوقعة).

عند بوابة الجامعة الأمريكية أرى سيارة دورية شرطة. بيد مرتعشة أُخرج بطاقتي لرجل الأمن، وأرى أن هناك ضابط يتحدث مع آخر بجوار البوابة. استرد بطاقتي وأدخل المبنى مسرعة وأبدأ في صعود الدرج.

(ويجب أن تكون لدى المترجم الفوري القدرة على "ترقيع" أخطائه)

أستدير وأنزل الدرج. أخرج من البوابة لأرى الضابط مازال هناك.

(وأن يتمتع برباطة جأش وثبات وثقة بالنفس)

يهرب صوتي وأتلجلج تماماً وأنا أقول للضابط أن هناك، على ناصية هذا الشارع، نعم، هذا الشارع، بعد تلك الناصية، نعم نعم، هذا هو، على ناصيته هناك مجموعة من الأولاد يتبعون مجموعة من البنات، ويضايقونهن.

(وعليه أن يتحكم في نبرة صوته وتنفسه ومخارج ألفاظه)

يحاول الضابط أن يفهم مني أكثر فأجد نفسي عاجزة عن تكوين جمل بسيطة. تتفكك الكلمات في عقلي فأُدلي بها كما هي: الشارع...ولاد...وبنات...ضلمة...هناك...دلوقتي.

(وأن يعرف أن ليس عليه سوى توصيل 70% من المعنى ، ولكن يجب أن يركز ليعرف أين المعلومة المراد توصيلها)

يطمئني الضابط أنه سيذهب فوراً لتفقد الوضع، ويسألني عن الشارع مرة أخرى، قبل أن يعود لاستكمال الحوار مع زميله.

استقل المصعد هذه المرة. أدخل المعمل وأرمي بنفسي في أول كابينة، ألملم أطرافي حولي وأرتجف في مقعدي بصمت. بعد ربع ساعة، وعندما لاحظت أستاذتي أنني أنظر لها بتركيز شديد وبدون أن يطرف لي جفن، وأنها تتكلم وأنا لم أُخرج كراستي بعد أو أضع السماعات حتى، أوقفت التسجيل وسألت: "في إيه يا رحاب؟" ففتحت فمي فلم يخرج سوى: "أنا خايفة أوي".


Monday, December 04, 2006

أن تحب



لعل الحب هو أن تتعلم
أن تمضي عبر هذا العالم.
تتعلم أن تكون صامتاً
مثل شجر البلوط والزيزفون في القصص.
تتعلم أن ترى.
نظرتك نثرت بذوراً.
زَرَعَت شجرة.
أنا أتكلم
لأنك تهز أوراقها.

--محاولة لترجمة أبيات من قصيدة لأوكتافيو باز