Saturday, July 23, 2005

تنويعات عبثية في مقام ليه الكبير


(1)

فلان وفلانة أمام مبنى السينما في ليلة شديدة البرودة في انتظار بقية أصدقائهما ليدخلوا الجزء الثاني من "باب الشمس".

"وإنتي مارحتيش الشغل النهارده ليه؟"
"عيانة! تعبانة جداً...هم هم هم...عندي برد في المعدة بقالي يومين...هم هم هم...بقالي يومين ما اكلتش...هم هم هم...معدتي متبهدله!"

ينظر إلى ساندويتش الروزبيف الضخم في يدها. تشعر من نظرته بعدم تصديقه لكلامها.

"شكلك مش مصدقني".
"بصراحة لأ...مش مقنعة إنتي خالص...لازم تبذلي مجهود أكبر من كده لو ناويه تكدبي...منين برد في المعده ومنين عماله تاكلي الساندويتش الفظيع ده؟"
"بقالي يومين ما اكلتش! يعني أموت من الجوع؟!"
"لأ...بس لما تاكلي يعني تاكلي ساندويتش من الشارع؟!"

تقضم قطعة كبيرة من الساندويتش وتستمر في القفز ليدب الدفء في أوصالها وتبتسم ابتسامة واسعة وتقول: "ما أنا بقيت كويسة خلاص!"

(2)

"كلميني. مش معايا رصيد"
"لأ مش هاكلمك. ماليش نفس"
"يا بت كلميني! كلميني من باب الزكاه"
"إنتي لا تجوز فيكي الزكاه يا بنتي...إنتي من المؤلفة عقولهم!"

(3)

فلانة وأخوها فلان وصديقتها علانة في ندوة عن استخدام الرمزية في الفن. في الاستراحة يخرجوا للحديقة ليستطيع فلان أن يدخن. تهمس لهم علانة أن الفتاة التي تتحدث في المحمول في الحديقة كانت معها في الكلية. فجأة تُنهي الفتاة المكالمة وتستدير لترى علانة.

"إيه ده! مش إنتي علانة اللي بتغني؟!"
"أيوه! مش إنتي صاحبة ترتانة؟ وهي فين دلوقتي؟ أنا سمعت إنها بترقص".
"أيوه فعلاً هي بترقص دلوقتي".
"ألف مبروك! ربنا يوفقها".

(4)

أنا بحب كلمة "قاتل الألم"...باحس إنه حاجة فعالة أوي...زي المبيد الحشري كده.

وبحب الستاير البلاك أوت. بتديني إحساس باللازمان واللامكان...يعني ممكن دلوقتي أكون رائدة فضاء في مكوك مثلاً.

وأول مرة ليا في قطر النوم التكييف كان ساقع جداً وكان في راديو مركزي شغال في كل الكباين محسسني إني راكبة بسكلته وحاطة راديون ع الجادون!

(5)

يرن الهاتف. تُفزع من نومها وتمد يدها تحاول أن تجده في ظلام الغرفة.

"الو..."
"إنتي نايمة؟"
"لأ!"
"امال صوتك عامل كده ليه؟ صوتك نايم خالص".

يُسقط في يدها. لا تريد أن تُشعرها بالذنب لأنها أيقظتها من النوم.

"لا أبداً...أصل أنا بس كنت قاعده في السرير ساكته".
تضحك: "قاعده في السرير ساكته يعني نايمه".

(6)

"إنتي لازم تفكري لنفسك في اسم من بتوع الهنود الحمر...واسم ينفع لشخصية الساحرة....واسم بوست مودرن"
"اسم بوست موردن؟! زي إيه مثلاً؟ البت المتعولمة؟!"

(7)

فلانة وعلانة بالبيجامات احتلت كلتاهما أريكة في غرفة المعيشة المريحة، تتناوبان طلاء أظافرهما من نفس زجاجة طلاء الأظافر.

"هو أصلاً ابن الذين عاوز يطلقها....الموضوع مش موضوع تخس ولا تتخن ولا تسيب دراستها...دي كلها تلاكيك!"

"أيوه! هو عاوز واحده يرجع يلاقيها مستنياه بقميص النوم الشفتشي ومظبطة نفسها وحاطة مكياج بقى ومانيكير وحركات!" تصمت لحظة ثم تقول: "زينا كده!" وتنفجران في الضحك.

(8)

رحاب وشهاب يحضران ندوة ما. في الاستراحة تسلم رحاب على أصدقائها. يسألها الكل سؤال واحد: "إزيك؟ وإزاي سميرة؟ وفين سميرة؟" ورحاب ترد وتبتسم وتعدهم بالمزيد في القريب. وسط كل هذا يقول شهاب: "رحاب...تعالي ثانية واحدة أنا عاوزك" وينتحي بها جانباً. بجدية شديدة يسألها: "هي مين سميرة؟"

(9)

الثامنة صباحاً. محاضرة لغويات مملة. يمكنها أن تضبط جهازها العصبي على صوت الأستاذة الرتيب وتذهب في نوم عميق. السبب الوحيد الذي جعلها تحضر تلك المحاضرة هو أن اليوم الثلاثاء أي محاضرات من الثامنة صباحاً للثامنة مساءً في نفس المدرج، وإذا لم تحجز مكاناً من أول النهار لن تجد مكاناً في محاضرة أستاذتها المفضلة. لأول مرة في حياته يدخل أخوها كليتها. يجلس بجوارها في آخر المدرج يتفرج حوله بانبهار. فجأة يلكزها في جنبها وهي تحاول أن تضع طلاء الأظافر الأحمر القاني.

"الحقي! فلانة!"

تنظر فتجد فلانة نائمة.

"مالها؟"
"نامت!"
"طب وإيه؟"
"افرضي الدكتورة شافتها؟!"
"تشوفها؟! يا طيب! يا ابني احنا قاعدين في آخر المدرج...وده تاني أكبر مدرج في الكلية! شوية وهتلاقي باقي الناس نامت ماتقلقش. ما هو احنا لازم ننام عشان نقدر نكمل اليوم! تاكل جبنة ولا بطاطس؟ علانة معاها ساندويتشات النهارده".

(10)

"كل ما آجي اشتري حاجة فلانة تقوللي ده سلوك استهلاكي...إنتي مش محتاجة الحاجة دي"
"واضح إن فلانة بقت شيوعية. بعد كده ابقى انزلي معايا أنا...أنا رمز من رموز الرأسمالية"

(11)

"قومي يا فلانة صورينا"
"لأ مكسلة أوي...قومي إنتي يا علانة"
"لأ لو قمت هأنام على روحي وأنا واقفة، قوم انت يا فلان"
"واشمعنى أنا اللي أقوم يعني؟"
"مش أنت اللي قلت نتصور؟"
"لأ أنا مش قادر اتخيل إني اقوم من الكرسي".
"طب ما ننده على حد من الجرسونات يصورنا..."
"اللي قادر ينده ينده...أنا هأنام دلوقتي حالاً..."
"بصوا...زي ما أنتوا كده...هاتي يا فلانة رجليكي كده شوية...أيوه.."

لم يبق من هذه الليلة المقمرة في دهب غير صورة لثلاثة أزواج من الأرجل تستند على مقعد صغير.

(12)

"لأ أنا رأيي إننا لازم يبقى شكلنا مجنون...مش بس تصرفات وكلام! لازم نلبس هدوم مجانيني!"

(13)

إنه الصيف والعمل بطيء. اقترح أن يتذكر كل منا نكتة "عبيطة" ولكنها مع ذلك مضحكة جداً. أقول أنا إن نكتة "طماطمتين بيعدوا الشارع" هي أعبط نكتة سمعتها في حياتي ولكني كلما اتخيل الموقف اضحك جداً. تقول فلانة إن نكتة "واحد داسته عربية 126 مات من الضحك" هي النكتة التي تقضي عليها، وتقول علانة إن نكتة "افتحي يا سيدة الصفيحة هتموتني" هي نكتتها المفضلة، في حين اتذكر نكتة الذي فتح الثلاجة ليشرب فوجد قالب "جيلي" يهتز فقال: "ما تخافش ماتخافش...أنا هاشرب بس"، وتطلب مني فلانة أن أقول لهم نكتة "عندما تقول للضفدعة نطي...تنط".

(14)

أنا في المول بأبص على هدوم وعندي إحساس بالـ"ديجا فو": موديلات كتير وألوان كتير بتاعت الموضه السنه دي لبستها في إعدادي أصلاً. أكيد مش علامة كويسة إن الواحد يلبس نفس الموضة مرتين في حياة واحدة!

(15)

"لو سمحت...لو سمحت! عبده تلوث فين من فضلك؟"
"حضرتك المنطقة هنا كلها اسمها بكتيريا"

في اليوم التالي:
"على فكره! إحنا أكلنا في عبده تلوث مزور!"
"يا مصيبتي! اتنصب علينا في التلوث؟!"
"حكمتك يا رب! حتى التلوث بقى مضروب في البلد دي!"

(16)

"الحقيني! الرومانتيك ماسكين في خناق النيو-كلاسيك ومش راضيين يسيبوهم إلا لو درايدن لبس طرحة وقال أنا اسمي سوسن!"

(17)

"بتعملي إيه؟"
"ع النت باتابع خط سير الطيارة. الموضوع واخد معايا أبعاد سيكوباتية. أنا هامشي وراه وأراقبه بقى...واتصل بيه في التليفون وما اردش واقعد اتنفس في السماعة زي القتلة المحترفين!"
"دي مش أبعاد سيكوباتية! دي أبعاد إجرامية!"

(18)

أنا راكبة تاكسي والراجل معلق في المراية سبحة ودعاء الركوب وهيكل عظمي بلاستيك! إيه العلاقة؟! صباح الخيال المريض! إيه اللي يخلي أي حد يعلق هيكل عظمي بلاستيك جنب السبحة ودعاء الركوب؟! عظة يعني؟

(19)

"هو الشغل كويس بس مش لاقية نفسي فيه أوي يعني".
"إنتي عايزة تشتغلي في الترجمة وبس؟ إنتي حلك بقى إنك تستني عصر النهضة".
"متخيلة نفسي عجوزة جداً وباكتب بريشة بقى ومستنية عصر النهضة..."
"أو أقولك...إنتي تلحقي عصر النهضة في بلاد تانية".
"وهي النهضة فين اليومين دول؟"
"حالياً مافيش للأسف. بس إنتي ممكن بقى تعملي حاجة تانية: تترجمي من العربي للإنجليزي".
"وإيه الجديد في ده؟"
"لأ ما انتي بقى تترجمي حاجات محدش ترجمها قبل كده! عندك مثلاً....أديب الشباب! ترجميه وابعتيه بره...واهو كده نبقى ضربنا عصفورين بحجر: عملتي شغل ترجمة ونهضة، وجبتي تخلف لبلاد بره!"
"لأ أنا عاوزة اترجم لجمال الدين الدولي".
"لأ الدولي مش هيلعب مع الناس بتوع بره لإنه بينادي بإلغاء الثانوية العامة وهم هناك لغوها من زمان".

(20)

"الحياة عبارة عن صراع دائم بين الخير والشر...الفضيلة والرذيلة....الرجيم والشوكولاتة!"

(21)

"أنا حاسس إني ضايع...تايه...حاسس إني مش عارف أنا مين!"
"دي حاجة رائعة!"
"رائعة؟!"
"أيوه! حيث إنك مش عارف انت مين...يبقى ممكن تبقى أي حد تختاره! مش هتبقى خسران حاجة لإنك أصلاً ضايع! دي فرصة ممتازة لإعادة اختراع نفسك!"

(22)

"أنا خايف يقبضوا عليا ويقولوا إيه الاجتماعات اللي بتعملوها دي...ثقافة إيه ونيلة إيه!"
"لأ ما تخافش...هم عادةً في المواقف دي بيخطفوا أختك أو حبيبتك أو الكلب بتاعك رهن عندهم، وحيث إنك ماعندكش حبيبة أنا باقول تجيب كلب عشان تفدي أختك".

(23 )

نستعد لتناول طعام الغداء في العمل. ينادي علىّ فلان: "رحاب...هي إشارة المرور ترتيب ألوانها إيه؟"
"أحمر أصفر أخضر".
"شكراً".

أميل على فلانة: "هو أنا بأشتغل إيه هنا بظبط؟! اشمعنى بيسألني أنا؟"
"يمكن عشان إنتي المثقفة اللي فينا"
"ربنا يسامحك! أهو إنتي!"

(24)

السنة اللي فاتت كانت الموضة المانجه الصغيرة. السنة دي الخوخ الصغير. العالم—كما نعرفه—ينكمش بسرعة رهيبة!


(25)

تقوم فلانة من على مكتبها وتقف أمام مكتبي لتسألني: "إنتي طول عمرك كنتي مهرتله كده ولا الحكاية دي بتيجي بالتدريب؟"