Tuesday, December 09, 2008

في يوم من الأيام في شارع رمسيس



بعد رحلة طويلة بالقطار عودة من الإسكندرية، أودِّع صديقاتي عند محطة مصر وأصعد كوبري المشاة لأعبر للجانب الآخر من شارع رمسيس. فقط وأنا في منتصف الكوبري أدرك إنها تقريبا الحادية عشرة مساءً، وأننا في الشتاء، وأن الشارع والكوبري والعالم يكاد يكون خاويا. يُجري عقلي حساباته التقليدية في مثل هذه الظروف فيراجع على ملابسي (جاكت طويل، تمام. بنطلون واسع، تمام. كوفية، تمام. بيريه على الراس، تمام)، ومشيتي (أسرع.. أسرع، تمام)، وأي حُلي ألبسها (خاتم صغير، تمام. سلسلة مش باينة، تمام)، ويُصدر الأوامر لجسمي فانكمش بداخله وافتح كل حواسي على الخارج في نفس الوقت لأستطيع أن أتصرف بسرعة إذا "ضايقني" أي شخص على الكوبري أو في الشارع. لا يأخذ الكوبري كالعادة إلا بضع دقائق، والتي تبدو-كالعادة-كساعات طويلة، أخترع خلالها سيناريوهات لانهيار الكوبري على الطريق، أو هجوم مجموعة من اللصوص عليّ، أو مقابلة أمرأة مجنونة تهذي وتتنبأ بمستقبلي. على الناحية الأخرى من شارع رمسيس أقف في مكان شبه مظلم و"ملقف" هواء لأحاول أن أجد تاكسي يرضى بالذهاب إلى مدينة نصر. أنظر حولي فأُدرك أن إلى يساري محل العصير الذي أشرب منه دائما، وإلى يميني.. هناك.. محل العصير الذي أتفاداه دائما، ومن بعده.. 291 شارع رمسيس.


كان جدي لأمي يهوى تملك وسكن العمارات المثلثة التي تبدو مثل قطعة من تورتة، فتطل شرفاتها على شارعين. في باب الشعرية والسكاكيني والظاهر، في رشدي والأزاريطة والإبراهيمية، حتى في أبو قير.. تملك وسكن واستأجر جدي العمارات المثلثة. ربما خانه الحظ مرة، في أبو قير، حيث اشترى بيت له ناصيتين ولكنه "مش شبه حتة الجاتوه"؛ ومرة أخرى، في أبو قير أيضا، عندما تغير نظام المقابر فأصبح قبره واحد وسط صف من المقابر.. لا يطل على ناصيتين ولكن يرى البحر من بعيد.


من الصعب أن أذهب إلى الإسكندرية دون أن أذكر جدي. من الأصعب أن أسير في شارع رمسيس دون أن أذكر جدتي. كثيرا ما يبدو لي بيت رمسيس وكأنه كان سكننا الخاص أنا وجدتي دونًا عن باقي العائلة، الذين يمرون في ذكرياتي عن هذا الوقت ككومبارس. ففي بيت رمسيس وُلِدت على سرير جدتي، نفس السرير الذي ماتت عليه بعدها بخمس سنوات. لا يعرف أحد من عائلتي كم السعادة التي تشملني عندما يقولون إنني أشبه جدتي في هذا أو ذاك. كثيرا ما تقول أمي: "اللي خلف ما ماتش.. يلدز ما ماتتش.. نفس البصة.. نفس الزغرة.. نفس الضحكة.. ساعات بأحس إني بأكلم مامتي مش بنتي". أُخيف أمي أحيانا بما أذكر عن بيت رمسيس، وتصر أنه لا يُعقل أن أذكر شيئا عنه وأنا دون السادسة من عمري. ولكن في لحظات الرضا.. تُقر أمي أن ذكرياتي كلها صحيحة..


كان عندي ضفيرتين، وكنت ألبس روب أزرق (نحل كالعادة وبره من كثرة تكويري للوبر كرات صغيرة انزعها منه بعد ذلك لأتركه أجردا). يومها دخلت في رجلي خشبة صغيرة جدا ولكني لم أبك، بل تحملت في شجاعة بينما أخذت أمي تنزعها لي بالملقاط. طلبت جدتي أن تراني، فدخلت حجرتها المنيرة ووجدت حولها ناس لا أعرفهم. قالوا لي إنهم الأطباء، ولكني رأيت بينهم سيدة جميلة جدا تلبس بدلة بيضاء وشعرها طويل، وكانت تبتسم ابتسامة واسعة. لم يرها أحد غيري، ولم أسأل من تكون. ابتسمت لي جدتي وقالت لأمي: "خدي بالك منها"، ثم أخرجوني من الغرفة.
عند لحظة ما في هذا اليوم، أرسلوني لطنط كينجا اليونانية التي كانت تسكن في الدور الأخير من البيت، لأجلس عندها بعض الوقت. كان عند طنط كينجا كلب كانيش أبيض صوته عالٍ و"مسرسع"، أخذ يجري ورائي في الشقة كلها وهو ينبح بلا توقف، حتى تسلقت طاولة السفرة ووقفت عليها وأخذت أزعق فيه ليسكت. أعتقد أن هذا كان أكثر ما آلمني يومها: أن يتركوني وحدي مع هذا الكلب.. حتى طنط كينجا!


أذكرني بعد ذلك أنا وأمي على سلم العمارة وهي تحاول أن تشرح لي، وهناك شعاع دافئ يدخل من المنور ويصل بيني وبين الشمس مباشرة.. نفس الإضاءة التي كانت تدخل من "شراعة" باب جدتي، فتمر من جانب اللوحة الكبيرة التي عليها القرآن كله مكتوب بخط صغير للغاية، فتفترش بلاط مدخل البيت في وداعة. كان شعاع الشمس مليء بالملائكة، هكذا قالت لي جدتي زمان، إن كل هذه الذرات الصغيرة التي تلعب في النور هي ملائكة صغيرة. كانت أمي تشرح لي وكنت أنا أركز في شعاع الشمس لأطمئن على وجود الملائكة الصغيرة.


كانت جدتي أول من حكى لي حدوتة. في الحقيقة، هنا تخذلني الذاكرة، فلا أذكر من حواديتها إلا "عقلة الصباع". لا أعرف إذا كانت هذه هي الحدوتة الوحيدة التي ظلت تحكيها لي لخمس سنوات، أم هي أكثر حدوتة أعجبتني فضحى عقلي بباقي الحودايت من أجلها. كان "عقلة الصباع" يبهرني دائما بأسلوب حياته ومغامراته، التي كانت كبيرة على صغر حجمه. عقلة الصباع كان عنده نظارة "أد كده" (وهنا تضم جدتي السبابة والإبهام لتوضح صغر النظارة، وتُطيل في "أد" زيادة في الشرح)، وجزمة "ااااااد كده"، وبيت اااااد كده. وفي الصيف، كانت صاحبته تملأ له صينية كبيرة بالرمل، وتسكب في طرفها بعض الماء، وتزينها بالأصداف وأوراق الشجر، فيفرش "عقلة الصباع" بشكير اااااد كده، ويلبس مايوه اااااد كده، ويقعد تحت شمسية اااااد كده يتشمس. وبعد قليل كان ينزل الماء (في الطرف المائي من الصينية). كانت صاحبته تصنع له ساندويتشات، فتضع فتفوتة جبنة اااااد كده، على فتفوتة عيش ااااد كده، وتقدمه له على زرار صغير ااااد كده. وكانت نظارة عقلة الصباع مصنوعة من حبتين ترتر اااااد كده مربوطين في بعض.


كانت هذه أول مرة أرى جدتي لأبي خارج بيتها، وأذكر أنني استغربت جدا من وجودها ومن شربها القهوة، ومن "التايير" الأسود التي كانت تلبسه، بعكس الجلاليب القطنية الفاتحة التي كانت تلبسها في بيتها. لم يكن هناك أي رجال في البيت، وكأن الحزن طقس نسائي بحت. أتت عائشة التي كانت تنظف البيت لجدتي، وكانت تتعاون مع أخريات على حمل طشت كبير من الحديد به لحم وأرز. تجمع الكل في غرفة السفرة، الغرفة التي تطل شرفتها على السكاكيني، حيث كنا ننزل منها السَبَت، فيضع لنا فيه "بتاع الزبادي" سلطانيات الزبادي الدافئ، الذي كان يزينه لي خالي بالعسل، أو كنت أدس فيه ملبِّس الحمص خلسة لأحلي طعمه. نفس الشرفة التي كانت تطل على بقالة "على كيفك"، التي كانت أمي تفضل سندويتشاتها على أكل البيت، فتتأخر في الذهاب للمدرسة أو العودة للبيت لأنها تتزاحم مع باقي التلاميذ على سندوتشات البسطرمة (النيئة) التي تحذرها منها أمها. لا أذكر أن أحد ولول أو صوَّت، ولكني كنت في الخامسة، وكنت بدأت أعاني من مشاكل في السمع.


كنت أنام بجوار جدتي أحيانا، ومن وقتها اكتسبت عادة أن أسند رجلي على مخدة وأنا نائمة، تماما مثلما كنت أسندها على جدتي وهي نائمة بجواري. حتى الآن، إذا استكنت تماما، أستطيع أن أستحضر صوت جدتي وعبيرها. أحيانا يكون "لافندر الشبراويشي" وأحيانا أخرى "خمس خمسات"، وإن كنت متأكدة من إنها كانت تخلطهما ببعضهما بعد أن تضع بودرة التلك هنا وهناك، فأنا جدتي وجدتي أنا.


التاكسيات ما بين رافض للذهاب لمدينة نصر، أو رافض للوقوف من حيث المبدأ. أقرر أن أمشي قليلا لأقترب من المحلات ومجموعة من الناس واقفون في انتظار. أُدرك أن هذه أول مرة أمشي في شارع رمسيس على قدمي. أبتسم: بامبو الويشي، ملك المانجو، فراخ كوكو، محل البراويز، محل جاد للعصير، بيت تيتة. لأول مرة أفهم لماذا أشرب العصير عند هذا المحل ولماذا أتفادى ذاك. أتفاداه لأني إذا ذهبت هناك لن أجده، ولن أجد بيت جدتي، ولن أجد شرفة غرفتها التي تميل عليها النخلة.


ربما كانت المرة الوحيدة التي سمعت فيها حدوتة "عقلة الصباع" بالكامل في المستشفى، وأنا وجدتي في غرفة أمي، وأمي نائمة بعد ولادة أخي. كان الوقت متأخر جدا، وكانت الغرفة هادئة جدا، وكان هناك نور أزرق خافت، وكان الجو برد، وكانت جدتي تحتضنني، وكان عقلة الصباع عنده نضارة أااااد كده، وجزمة أااااد كده، وكانت ماما أااااد كده، وكان أخويا أااااد كده، وكنت أنا أااااد كده، ولكن جدتي كانت أاااااد الدنيا دي كلها.

Thursday, September 25, 2008

أماكن في القلب



المطعم ذو الخشب الداكن، حيث هناك دائمًا شيء سيء في الطعام. المطعم ذو الكنب الأحمر الكبير، حيث تظهر دائمًا الاختلافات. المطعم الياباني، حيث تظاهرنا أننا مجرد أصدقاء. المطعم ذو الصالونات المذهبة، حيث يحضر التاريخ شخصيًا ويتكلم معنا.. بصوتك. مطعم البيتزا حيث زعلتني، ومطعم البيتزا "كمان مرة" حيث صالحتني. مطعم البرجر، حيث نذهب لنأكل فعلا. المطعم المعتم، حيث أخذنا نكتب لبعض الرسائل. المطعم الخاوي حيث تشاجرنا بصوت منخفض للغاية، وتفادانا كل العاملين بالمطعم. مطعم الشاورمة، حيث الطعام يأتي بنفسه للسيارة، وحيث نذهب عندما نكون مفلسين. المطعم الضيق الذي يتظاهر فيه الجميع بعدم التنصت على بعضهم البعض، حيث نتقابل في منتصف الطريق لنشرب قهوتنا مبكرًا جدًا ونحن نهمس ونحاول ألا ننام على الطاولة. مطعم الدجاج الحراق، حيث انهزمت أمام الدجاجة، فقطعتها أنت لي قطعًا صغيرة صغيرة.
مطعم المشويات، حيث اختلفنا على معازيم الفرح. المطعم المعبق برائحة الطلاء، حيث أكلنا من طبق واحد لأول مرة. المطعم ذو رائحة القلي، حيث ابتسمت أنت وعضضت أنا على شفتي السفلى. المطعم ذو الزهور البرتقالية، حيث عرفنا أننا متورطون. والمطعم الذي لم نستطع أن نأكل فيه أي شيء، حيث قلت إنك تحبني.


Tuesday, September 02, 2008

البيوت أسرار



القاهرة في 8 مايو 2006

عزيزي زفت الطين،
أكتب لك بعد أن فشلت كل الطرق الأخرى في الوصول إليك، أكتب لأقول إنك إنسان حقير وأناني وزبالة! بل أنت حيوان! كيف تجرؤ وتتزوج بأخرى بعد أن تركت زوجي وأولادي وأسرتي المترابطة، وتزوجتك بعد إلحاحك الرهيب؟! ويا ليتك اكتفيت بإهانتي، بل بمنتهى القسوة واللامبالاة طردتني من شقتي! هل هذا جزاء إخلاصي وتضحياتي؟ حتى في آخر لقاء لنا، هان عليك حبي لدرجة أنك لم ترق لتوسلاتي، وتركتني ورحلت في غمضة عين بينما أحاول أنا أن أصالحك، وأحاول أن أجعلك تدرك مدى حبي لك وتمسكي بحقي في وجودي في حياتك! يا خسارة على المشاعر المهدرة التي لم ولن تستحقها أبدًا!

عنايات

* * * * * *

القاهرة في 9 مايو 2006

السيدة الفاضلة عنايات،
وصلني خطابك بتاريخ 8 مايو 2006، ورأيت أن علىّ توضيح بعض النقاط.

أولا: بخصوص تركك لزوجك وأولادك (الذين لم أعرف بوجودهم إلا بالصدفة وبعد شهر كامل من زواجنا)، فغلطتي الوحيدة هي أنني أحببتك لما أظهرتيه لي من تعاطف ولما قدمتيه لي من مساعدة في إنهاء أوراقي في الشهر العقاري للحصول على شقتي من طليقتي. غلطتي أنني انخدعت فيكِ بعد أن رفضتِ المبلغ الذي قدمته لك لـ"تسهيل" أوراقي، وظننت وقتها أنك إنسانة نبيلة زاهدة في هذه الدنيا، ولم أكن أعرف أنكِ تخططين للحصول علىّ شخصيًا. أنا مقدّر ارتباطك بأسرتك، خاصة بعد أن عرفت أنكِ لم تحصلي على الطلاق من زوجك الأول أصلا. صدقيني، لو كنت أعرف بوجود هذه الأسرة "المترابطة" لكنت ابتعدت فورًا، ولما كنت ورطتك في الجمع بين زوجين.

ثانيًا: لقد تزوجت بعد أن تركتك بشهور طويلة، لأسباب أنتِ تعرفينها جيدًا، حيث كنتِ أنتِ سبب الكثير من المشاكل التي أربكت حياتي ومواردي المادية، لذلك من الواضح أنني لم أتركك من أجل زوجتي الجديدة.

ثالثًا: بخصوص ما أطلقتِ عليه "طردك من شقتك"، فدعيني أنتهز هذه الفرصة لأكرر عليكِ ما سبق وسمعتيه مني ومن المحامي: هذه الشقة شقتي، ولم أعطها لك في أي وقت من الأوقات، ومحضر الشرطة يُثبت أنكِ قد زوَّرتِ توقيعي على عقد بيعها لك. ما قمت أنا به كان محاولة لاسترداد حقي وشقتي التي عشت فيها حياتي كلها، والتي طرديتني أنتِ منها بعقدك المزور وعلاقاتك في الشهر العقاري والحي.

رابعًا: بخصوص توسلاتك لي في المرة الأخيرة التي تقابلنا فيها، فعلى ما أذكر، أنا كنت واقفًا خارج الباب الحديدي للشقة (الذي ركَّبتيه بعد أن استوليتِ عليها)، وكنتِ أنتِ واقفة على الجانب الآخر من هذا الباب، بعد أن حبستِ نفسك داخل الشقة وأخذتِ مأمور القسم والمحامي رهينة، وهددتِ بإشعال أنبوبة البوتاجاز التي كنتِ تمسكينها إذا حاول رجال الشرطة كسر الباب لإخراجك من الشقة. أعتقد أن هذا لم يكن جو ملاءم للتعبير عن الحب، ولا يمكنك أن تلوميني على حبي للحياة واختفائي في غمضة عين هربًا من ذاك الانفجار الوشيك.

وأخيرًا، أتمنى لكِ التوفيق في حياتك المستقبلية.. بعيدًا عني.

مجدي

* * * * * * * *

القاهرة في 3 أكتوبر 2008

عزيزي وليد،
شكرًا لخطابك الرقيق، الذي أسعدني بقدر ما أحزني. لا داعي للاعتذار؛ فليس من واجبك الاعتذار عن أي شيء فعلته والدتك، يكفيني موقفك الداعم لي في أزمة الشقة ومساعدتك لي بعدها في إبعاد والدتك عني. بالطبع أنا آسف لوفاة والدتك، ولكن من المؤكد أنها ارتاحت. يؤسفني أنك ووالدك قد تعرضتم لكل هذه المواقف المؤلمة معها خلال فترة مرضها، ولكني مقتنع أنكم اتخذتم القرار السليم بإيداعها المصحة العقلية بعد أن خطفت ابنة أختها مدعية أنها ابنتها. ربما لو كنا قد اكتشفنا حالة والدتك مبكرًا، لكنا ساعدناها حتى لا تؤذي نفسها والآخرين، ولكنها كانت سيدة في غاية الجمال، وفي الأوقات التي لم تكن تأتيها النوبات، كانت تتميز بحديثها الساحر وشخصيتها الآسرة بحيث يصعب تخيل أن لديها شخصية أخرى مدمرة.

مرة أخرى، أود أن أشكرك على خطابك، وأتمنى أن تراسلني باستمرار لتطمئني عليك وعلى أسرتك.

محبتي،
مجدي

Tuesday, August 19, 2008

يا مين يقول لي أهوى




نقف أنا وهو وجهًا لوجه، دون أن يطرف لنا رمش.
أسأله: "ها؟".
يزوم: "إيه؟".
أرمي الكرة في ملعبه: "قول إنت.. ".
يغمغم.
أحاول: "طيب.. إيه رأيك؟".
يحاول: "اللي إنتي عايزاه".
أسأل على استحياء: "عندك إيه؟".
يجيب وهو يجاهد حتى لا يُظهر تململه: "كل حاجة".
أصمت للحظات، ثم أعلن انهزامي: "خلاص! قهوة يا سيد وخلاص!".
يبتسم: "ماشي".

لبضعة أيام، أقرأ عن فوائد الشاي ومضار القهوة، ولبضعة أيام أطلب من سيد الشاي: الشاي الأحمر، الشاي الخرز، الشاي الفتلة، الشاي الورق، الشاي الإيرل جراي، الشاي الأخضر السادة، الشاي الأخضر بالنعناع، "طيب عندك بقى شاي أخضر بالياسمين؟"، ويغيظني سيد لأن عنده كل أنواع الشاي. أتمنى في مرة أن يقول أن الشاي نفد، فأطلب القهوة بضمير مستريح.

ولبضعة أيام، أقرأ عن فوائد القهوة التركي وعن أن الشاي مبالغ فيه، وأحن لوضوح القهوة، فأرحم سيد من ترددي في اختيار مشروب الصباح، وأقول بحسم بمجرد دخولي المكتب: "القهوة يا سيد لو سمحت".

أُراجع ما أعرفه عن نفسي: أحب القهوة سادة، والشاي الأحمر بثلاث ملاعق سكر، والشاي الأخضر في منتصف اليوم، والكابتشينو سادة مع قليل من السكر مرشوش على رغوة اللبن، والقهوة الفرنسية بالبندق مضبوطة، والينسون بملعقة سكر واحدة، والكاموميل بالعسل، ولا أشرب الإسبرسو أبدًا.

ولكني لا أستطيع أن أخدع نفسي طويلا: أعرف أن هناك مشروبات كثيرة، وطرق أكثر لبدء اليوم، وأعرف أيضًا أن هناك حقيقة واحدة: أنا شخصية معقدة، أُحب الوضوح وأُقدس البساطة؛ أُحب أن تكون القهوة السادة أول شيء في صباح الأيام "الزيادة".


Sunday, August 10, 2008

وجود



جلس في القاعة يسيطر عليه شعور واحد: الكراهية. هو يكره هذه القاعة، ويكره هذا الكرسي، ويكره هذين الزوجين، ويكره تلك الشابة التي تبتسم أكثر من اللازم، ويكره طفلتها المزعجة، ويكره رئيس الاجتماع الكهل، ويكره تلك الأرملة ذات الصوت العالي والملابس الملونة، ويكره الجمعية العمومية بأسرها، ويكرههم أكثر عندما ينادون على أسماء الأعضاء ليتأكدوا من حضور الجميع. ينادوا على اسم زوجته فيقوم ويقول "موجودة"، ويجلس دون أن ينظر حوله لأنه يعرف أنه يكره نظراتهم.


في المساء، وهو يتناول بواقي عشاء الليلة السابقة أمام اللابتوب الذي يعرض صورهما، يعترف لها أنه – بشكل أساسي - يكرههم لأنهم ما زالوا على قيد الحياة.



Monday, June 23, 2008

معدولة ومقلوبة



1

في محاولة للقضاء على الوقت، نزلت في المساء قاصدة محل الخردوات، فلحقته قبل أن يغلق بدقائق. اشتريت إبر تريكو وعدة بكرات من الصوف تتمازج فيها درجات الكحلي والأسود. في المحل، سألتني البائعة إن كنت أُريد إبر رفيعة أم سميكة، أجبت بدون تردد: "الرفيعة". حاوَلت بلطف أن تنبهني إلى أن الإبر الرفيعة أصعب في الشغل، ومع الخيط الرفيع الذي اخترته ستأخذ الكوفية وقتًا طويلا حتى انتهي منها. لفتت نظري إلى أنها ستكون عملية متعبة ومملة، خاصة مع اللون الغامق الذي اخترته، حيث من الصعب رؤية الأخطاء في الغرز الضيقة. لزمت الصمت طوال حديثها، ولكن عندما نصحتني بلون آخر، نظرت لها ببرود وكررت: "الرفيعة من فضلك".

دفعت ثمن مشترياتي وخرجت من الباب، ثم استدرت وعدت للبائعة: "هذا الصوف ليس لكوفية؛ إنه لغطاء.. غطاء كبير.. غطاء ثقيل".

2

أنظر في الساعة: التاسعة والربع. أتنهد. أرتب المكان حولي حتى أستطيع أن أرحل في موعدي. ألتقط الإبر وأُكمل الكوفية، البيضاء هذه المرة. أُحب هذا الشكل؛ غرزة وغرزة، غرزة "معدولة" وغرزة مقلوبة. تصنع هذه الغرزة شكل جناحين.. أو قلب صغير. انظر في الساعة: التاسعة والثلث. تدخل المحل سيدة ترتدي معطف أسود طويل. تسأل عن مكان التريكو فأتنهد وأنا أراهم يشيرون إلىّ. اللعنة! سأتأخر! تبدو السيدة كأنها تعرف ما تريد، لكن عندما تختار إبر رفيعة وخيط رفيع، أحاول أن أنصحها. تبدو سرحانة؛ لابد أنها تفكر في كوفية لعزيز لديها. هل سأجرؤ يومًا أن أعترف أنني صنعت له ثلاث كوفيات؟ وحذاء صغير للرضيع المستقبلي؟ وقبعة صغيرة؟ وبلوفر صغير؟ انظر في الساعة: التاسعة والنصف. يبدو أن هذه هي كوفيتها الأولى. الكوفية دافئة، حميمة، وحنونة، وإذا صُنعت بعناية، تبدو وكأنها هالة تُحيط بالشخص الذي يلبسها، كأن حول رقبته طوق مكتوب عليه: "محظوظ". تُصر السيدة على اختياراتها وتدفع ثمن مشترياتها، وقبل أن ترحل تستدير وتقول لي أن الصوف لغطاء وليس لكوفية. يا لها من رومانسية!



Sunday, June 15, 2008

موسيقى داخلية



يجلس أمام البيانو ممزقًا بين البهجة والغيظ. للمرة الرابعة يحاول أن يبدأ التدريب على سيمفونية بيتهوفن الشهيرة بـ"القدر"، وللمرة الرابعة يفشل. يجلس مغتاظًا لأنه لا يريد أن يعزف هذه النغمات المفزعة؛ لا يريد هذا الآن، ولا يريده اليوم، وفي الواقع لا يريده طوال هذا الأسبوع، وغالبًا لن يريده لفترة طويلة قادمة. يجلس أمام البيانو وتدغدغه أطراف أصابعه شوقًا لعزف مقطوعة تبدأ من أقصى اليمين، حيث الأصوات الناعمة كشقشقة العصافير وهمس الصباح، وصولا لأقصى اليسار حيث الأصوات العميقة كهدير البحر وموجات الاشتياق. ينظر إلى أصابع البيانو، فيرى الأبيض الطويل والأسود القصير، متجاورين في حميمية وألفة، فيبتهج. هناك فروق بسيطة في الصوت، بين الأسود والأبيض الذي يحتضنه، ولكن - ولفروقهما البسيطة – يكملان بعضهما البعض، فينساب لحنهما ويفيض.

أصداء الرز بلبن



تحديث

الأحد 15 يونيو

مقالة رقيقة في مِصري

الثلاثاء 10 يونيو

كان في مقال حلو في الأهرام عني وعن عمر مصطفى بصفتنا من نجوم المدونات بس للأسف مش عارفه ألاقي اللينك الصح للمقالة

الخميس 3 ابريل

من المدونين للمدونين :) عمرو عزت كتب عن مدونات الشروق في جريدة البديل

الثلاثاء 4 مارس

النهارده إبراهيم فرغلي كتب في جريدة النهار مقال جميل يكمل الدايرة :) إبراهيم كان من أوائل الناس اللي عملت معايا حوار في 2005 على أساس إني من المدونات الأدبية الواعدة.. والنهارده بيكتب عن الكتاب.. الأدبي الواعد برضه

الاثنين 3 مارس

لسه مخضوضة :) بس سحر الموجي كتبت عني مقال جميل جدًا في المصري اليوم إمبارح.. وقالت إنها لما تشوفني هتقول لي كلام أكتر.. وده شيء يسعدني جدًا طبعًا

ودلوقتي بقى عندي صفحة لكتابي على الفيس بوك علشان آخد وآدي مع الناس كده ويعرفوا أخباري أول بأول

الخميس 14 فبراير

من كتر الفرحة أنا مخضوضة أوي.. ولا عارفه أنام ولا أشتغل.. بس قلت لازم برضه أعمل تغطية إعلامية سيبرية للحدث

حلقة العاشرة مساءً موجودة على يوتيوب:
الجزء الأول، الجزء التاني، الجزء الثالث (ولا ليالي الحلمية).. والشكر لمحمد سمير ولستُ أدري

وجريدة الجارديان كتبت عن مدونات الشروق في
مقالة عن الكتب في مصر

وياللا بينا عاملين لي
إعلان عن مناقشة الكتاب.. والشكر لعمر مصطفى

وإمبارح الأربعاء 13 فبراير شرّفني الأستاذ أحمد بهجت وكتب عن الرز بلبن في عمود "صندوق الدنيا".. وأحب أشكره جدًا على اللفتة الرقيقة دي

Sunday, April 27, 2008

ناصية منتصف العمر



عند ناصية شارع منتصف العمر وقفت وفردت جناحيها وصهلت بأعلى صوت: "أنا حصان أبيض.. بقرن واحد وجناحين. أنا كأس أحلامك، وفنجان واقعك. وأنا -بشكل أساسي- رائحة القرفة التي تعلقت بكل حبال أفكارك".

* * * *

قبل هذا بمئات السنوات الضوئية، عندما كان طريق عملها يمر بالمقابر، سمعت يومًا صوتًا يغني من خلف السور. استعاذت وتفلت في صدرها ثلاث وأسرعت مبتعدة. في اليوم التالي عندما سمعت الغناء تمهلت لوقت كافٍ لتميز إنه صوت رجل. وفي اليوم الثالث لملمت أطراف تنورتها الطويلة ذات الأجراس الصغيرة وتسلقت السور ونزلت في الجهة الأخرى.

كان جالسًا على قبر، يؤرجح ساقيه ويغني: "وسيبني أحلم سيبني.. يا ريت زماني ما يصحنيش". جلست بجواره في هدوء وانتظرت حتى انتهى من الوصلة، ثم مع بداية الكوبليه التالي صاحبته. بعد أن انتهيا جلسا في صمت، ثم سألته إذا ما كان هذا قبره فأجاب بنعم، فطلبت منه أن يقرأ لها المكتوب على الشاهد لأنها لا تستطيع قراءة الكتابات الحزينة، فوقف على القبر وأعلن: "هنا يرقد من عشق الحياة، فقتلته"، فقامت هي وتسلقت سور المقابر، وببطء شديد شرعت في الرقص.

* * * * *

بعد هذا بمئات السنوات الضوئية سألته ماذا يفعل عندما يستيقظ قبلها، قال إنه فقط يجلس هنا منتظرًا استيقاظها، ويحملق في النافذة الموصدة متأملاً في قسوة الحياة. سألته لماذا يستيقظ قبلها من الأساس، قال إنه يريد أن يحرس نهايات لياليها ليضمن بدايات نهاراتها، وعلى أي حال هو لا يعرف كيف يبدأ النهار بدونها، فهي عندما تستيقظ تبدأ الحياة، فتَحْت وسادتها كل أدوات إعادة صياغة العالم.

تقول إنها في يوم من الأيام ستستيقظ مبكرة جدًا، أبكر منه. ستتسلل من السرير وتُخرج من صدرها ألوانها المحببة، وترسم على زجاج النافذة الموصدة عشرات الزهور ذات الشخصيات المختلفة، وشجرة تتمتع بروح الدعابة، وسُحب مدملكة، وشمس كبيرة بأشعة تصل إلى قلبه. قالت إنها على حافة النافذة ستزرع الريحان والنعناع.

يستمع إليها مبتسمًا (ومفزوعا من مقدار حبه لها). بهدوء، يحملها ويُجلسها على حافة النافذة ويقول بشكل قاطع: "إنتي ريحانتي، ونعناعة عمري".

وهكذا – تُكمل كلامها بجدية من على حافة النافذة – فعندما يستيقظ سيرى العالم من خلال ألوانها هي، ولن يضطر أبدًا للتفكير مرة أخرى في قسوة هذه الحياة.

* * * * *

إذا كان الأمر قد اقتصر على ثرثرة عصافيرها الملونة بعد شروق الشمس وقبل غروبها، لكان قد احتمل. ولكن ما غاظه فعلا وفجَّر الخلافات بينهما هو حواراتها المستمرة معهم طوال اليوم؛ فأحيانًا يبحث عنها في البيت كله بلا جدوى، حتى يشير عليه عقله بأن يتفقد الشرفة، وهناك يراها: تتحدث فيغردون، وتغرد فيتحدثون. يستطيع بضمير مستريح الاعتراف بأنه يغير من تلك العصافير التافهة (والتي اشتراها لها). في لحظة هوجاء، نسى أن بإمكانه التحدث معها؛ كان كل ما يسيطر عليه هو عدم قدرته على التغريد، والألم المصاحب لاحتباس الأغاني في القصبة الهوائية.

في الصباح التالي، قال إنه ما عاد يطيق جنونها وتقلباتها وعصافيرها، فطلبت منه أن يخفض صوته كي تعود للنوم. في المساء رمت كل هداياه من فوق سطح المبنى المجاور (لأنه أعلى من مبناها) وتركت له البيت، فقال إن هذه كانت أسوأ هداياه على أي حال وأنه بحاجة للهدوء.

* * * *

تمل الوقوف عند الناصية، فتقرر الاستعانة بقطط الشارع، فتجندهم بغمس أطراف ذيولهم في اللون البرتقالي، وتعطيهم جميعا الاسم الحركي "فجلة". في عجالة، تشرح لهم مهمتهم، وتشد على أيديهم، وتتمنى لهم التوفيق.

أصبح كلما نزل إلى الشارع أو فتح باب الشقة ليأخذ الجريدة، أو يُخرج القمامة، يظهر له فجلة بذيله البرتقالي، فيتمسح في رجله ويموء مواء حكيم لحوح يحاول أن يشرح له ما استغلق عليه من حقائق الحياة.

* * * * *

يزيح الستار السميك جانبا، والذي ركبه خصيصا ليحجب رسوماتها اللعوب على زجاج النافذة الموصدة، لأنها لا تكف عن الغمز له وتلعيب حواجبها كلما رأته وحيدا.

يتفقد الشارع ليرى إذا كانت مازالت هناك، فيراها، وقد تعبت من الوقوف، فاقترضت مقعد خشبي صغير من محل العصير المجاور، وطلبت كوبًا كبيرًا من عصير القصب.

تميل رأسها للوراء لتأتي على آخر قطرات القصب، فتلتقي عيونهما. يبتسمان، بخجلهما وشقاوتهما المعتادين. من النافذة، يدلي لها بدلوه، فتركب فيه. في سرية شديدة، وقبل أن يصل الدلو لنافذته، تُخرج مرآتها لتطمئن على أن شعرها مازال ثائرا، وأجنحتها مازالت مهندمة، وتنظر في حقيبتها لتتأكد من وجود متسع لمزيد من الجنون.

Tuesday, February 26, 2008

الرز بلبن في مساءك سكر زيادة




أينعم.. كالعادة وبكل سعادة أنا وغادة وغادة

هنكون ضيوف في برنامج مساءك سكر زيادة

على أو. تي. في النهارده.. تقريبا 7 مساء

وهنقعد الحلقة كلها نناقش البطيخ والطبيخ والرز بلبن والعرايس والعرسان

:)

Tuesday, February 19, 2008

اللي سبق أكل النبق



.. وأكل الرز بلبن كمان :)

الطبعة الأولى نَفَدت وجاري طبع التانية!

مزيد من المقالات والتغطيات: في الدايلي نيوز المصرية، وفي مصراوي، وفي بص وطل

Sunday, February 10, 2008

صباح الورد



لقد شغل الورد البلدي بالي: أمر أمام أي محل ورد، انحني (أو أشِب) لأستنشقه، أهز رأسي في أسى وأمضي. أفضل الأوقات للورد البلدي هي من يوليو لسبتمبر.. فرصة بسيطة لحدوث أجمل شيء في الدنيا. أسرح (بمنتهى التركيز) وأنا أحاول أن أتخيل كم تبقى على الورد البلدي

ولذلك، عندما دخلت مكتبي اليوم ووجدت مزهريتي بها وردتين يمتزج فيهما الأبيض مع الوردي برفق، شهقت وابتسمت وتنهدت.. وأدركت أنه سيكون يومًا للسرحان، فأخذت قرار منظَّم (ومنطقي للغاية) بأن أكرس يومي لفكرة واحدة فقط: عند سلامنا، لماذا أصبحت كفك تحتضن كفي لوقت أطول مما كانت تفعل طوال السنوات الماضية؟

Thursday, February 07, 2008

الرز بلبن في العاشرة مساءً



جهزوا المعالق بقى :)

يوم الاثنين 11 فبراير

هنكون غادة وغادة وأنا

ضيوف في برنامج العاشرة مساءً على قناة دريم 2

بمناسبة صدور كتابها وكتابها وكتابي

والدعوة عامة.. وشكلها هتبقى لمة! :)

Saturday, January 26, 2008

حفل توقيع أرز باللبن لشخصين




سيقام حفل توقيع "أرز باللبن لشخصين"

يوم الجمعة 1 فبراير الساعة 3 عصرا

بجناح دار الشروق بمعرض الكتاب

في اقتراح إن ألبان المالكي يبقى الراعي الرسمي لحفل التوقيع

وفي الحالة دي كل واحد يجيب معاه معلقة :)

وعلى رأي صديقة عزيزة:

ده هيكون أول كتاب يتحط في التلاجة :)