Sunday, May 28, 2006

تناتيف من غزل البنات


أقف في وسط الشارع أمام الأكياس الوردية والزرقاء وأقرر: "عاوزه غزل البنات" فيشتري طارق لنا جميعاً غزل البنات. نسير في شوارع وسط البلد متلذذين بالسكر الهش، منبهرين بتحطيم أحد المحظورات وشراء غزل البنات "من الباعة الجائلين". يقتسم طارق كيسه مع بائع للجوارب وآخر للساعات الصينية، ونكمل طريقنا بتمهل رغم أن على أغلب البنات الإسراع للحاق بآخر "شبشب" في البيت. تقترح هبة أن نتفق يوماً على أن نتوه سوياً في وسط البلد فأوافق فوراً.

وسط البلد بعد الحادية عشرة مساءً وبعد حفل في التاون هاوس ووسط مجموعة—مختلفة جداً ولكن متشابهة جداً—من أقرب الناس إلى قلبي وأناس آخرين أعرفهم بالكاد. في أجمل من كده؟ أتذكر أن في مكان قريب منذ عدة أسابيع أخذوا علاء وآخرين. آخر مرة كنت عند منال وعلاء في البيت جلس ثلاثتنا لأكثر من نصف ساعة نتحدث عن موضوع يهمنا للغاية: القطط. أخذنا في تبادل النوادر القططية بينما جلست قطتهم "كبسولة" على رجلي تنظر لي بوَله ولا مبالاة في نفس الوقت. تبهرني هذه النظرة لدى القطط، يبدو لي وكأنهم يقولون: "حِبّني! حِبّني حالاً! لكن لو ما حبتنيش مش مشكلة، طز فيك، أنت أصلاً ما تستاهلش إنك تحبني". أهداني علاء يومها أسطوانة مدمجة عليها مجموعة ضخمة من القصص المصورة الأجنبية ليعالج جهلي بهذا الفن، رغم أنني طلبت منه فقط قصص بطوط وسونيا وعم دهب.

من منال وعلاء أتذكر محمد عندما رأى صورة "أوز-أوز" قطي الجديد: "شكله شرير...مش مستريح له"، ومن وقتها وأنا لا أحب هذا القط. ربنا يسامحك يا محمد!

بين العمل، والكورسات، والتاون هاوس، والساقية، والأصدقاء، والبروفات، والترجمة...تمر الأيام. هناك شيء قاسٍ جداً في مرور الأيام بمنتهى العادية. إيه الدنيا دي؟ لماذا لا تتوقف وينقلب كيانها لتشاركني حزني؟ هل هي حقاً لا مبالية؟ أم هي مثلي: تستيقظ كل يوم وتمارس حياتها العادية وتحاول ألا تتوقف عند ما يؤلمها؟

عند مفترق طرق تهل علينا رائحة الفُل فأنسى أن أعبر الشارع. أقف على الرصيف أنظر حولي، وإذ بسيدة في سيارة بطيئة للغاية تلوح لي وللكهل الواقف بجواري بعصبية شديدة: "وسعوا! وسعوا!" لا نعيرها اهتماماً (فنحن نقف على الرصيف، نوسع نروح فين؟) ولكن بعد أن تمضي يبدأ الكهل في سبها: "يا بنت وبنت وبنت! فاكرة نفسك راكبة طيارة؟!"

أسير مع أصدقائي وأنا أدندن بالـ"الليلة الكبيرة". تظن أن شخصاً ما لديه بعضاً من نور ونار، ثم تصحو في يوم لتكتشف أنه مجرد قطعة أخرى من الطين. ومع ذلك يمكنك بمنتهى السهولة أن تجد مئة سبباً لتحب شخصاً ما، كما يمكنك في نفس الوقت أن تجد مئة سبباً لكراهيته، إذا أردت...إذا أردت.

تنقذني القراءة و"Friends". في أسبوع واحد أنتهيت من ثلاثة كتب وشاهدت أول موسمين، وعندما أكتشفت (وأنا في أول موسم) أن الموسم العاشر لا يعمل، أتصلت بصديقي، الذي احضر لي المجموعة الكاملة، وأنا منهارة: "سيزون عشرة مش شغال! مش شغال!" ولأن صديقي هذا تزوج مرتين وطلق مرتين، فهو متمرس في مهارات النسيان، لذلك في اليوم التالي أعد لي الموسم العاشر على وجه السرعة. أنا لم أكن أبداً الشخصية الـFriends، ولكن تحتم عملية مسح الدماغ بعض الإجراءات الجذرية.

نلح على هبة أن تأتي لترى البروفات، ويحاول طارق إقناعها: "لازم تيجي! هتشوفي عبط الدرفيل". نضحك أنا وهبة، بينما أحاول أن أفكر في البروفات وعلاقتها بالدرفيل، أو أن أتذكر أي شيء عن درفيل عبيط. يشرح طارق: "عارفه الدرفيل لما يكون متقل في الأكل، وماشي في البحر مضيّع؟ آهو هو ده عبط الدرفيل!"

وهكذا...أبدأ عامي التاسع والعشرين وأنا في كامل جنوني. يتصل بي الأصدقاء عبر المحيطات والبحار والأنهار والكباري ليهنئوني، فانفجر في البكاء لامتناني الشديد لمجرد وجودهم في حياتي. أنا محظوظة جداً...جداً جداً جداً، فلقد سقطت من الدور الثلاثين على وسادة حانية كبيرة من الأيادي المتشابكة. ما بين الطبطبة والركلات والأحضان والكلام والكلام والكلام والسكوت، والرسائل والمكالمات، وفوق الكثير من الأكواب والفناجين والكئوس والأطباق وأعقاب السجائر، تدثرت بغطاء سميك قوامه كل هذا الحب، ورحت في نوم عميق.