Monday, February 19, 2007

الحواديت في الشارع


لأول مرة من ساعة ما بدأت اكتب حد يقوم بتحليل جاد لكتابتي. اختلف واتفق مع التحليل في كام نقطة هنا وهناك، لكن بشكل عام أنا ممتنة للغاية لعبد الحق على وقته وجهده وقراءته وعرضه. أينعم أنا حاسة إني بعد كل التحليل ده مش هاعرف اكتب تاني أبداً، لكن قراءة الكلام ده أفادني جداً في تقييم نفسي ومراجعة فكرتي عني وعن اللي بكتبه...ودي حاجة كنت محتاجة أعملها من زمان :)

Sunday, February 04, 2007

أيام القط الأسود



أنا أحيا حياة بسيطة للغاية. في أغلب الأيام أستيقظ من النوم قبل المنبه بدقائق، وأستعد لمقابلة الدنيا، وأنزل للشارع. أقابل القط الأسود، وينقبض قلبي، وأبدأ يومي. ظل القط الأسود هو أول من أراه في الشارع صباح كل يوم، سواء كنت في القاهرة، أو الأسكندرية، داخل مصر أو خارجها، في مدينة نصر أو المعادي أو المهندسين. أيام عملي في مصر الجديدة، كان إذا لم يقابلني في الصباح أسفل عمارتي، أجده يمشي على سور الحديقة التي يطل عليها شباك مكتبي. نفس القط الأسود، بنفس العيون الخضراء، ونفس التعبير اللامبالي. إذا كان اقترب مني في أي يوم من هذه الأيام طوال السنوات الماضية، لقلت إنه روح تحرسني، أو شخص أعرفه محبوس في جسد قط. ولكن كلا، لم يحاول القط الأسود أبداً أن يقول لي شيئاً. مع الوقت أصبحت أبحث عنه كل صباح، وأقلق إذا لم أجده، وعندما أجده ينقبض قلبي، وأحاول أن أنظر في عينيه ولكنه يتجاهلني ويمضي.

استمر هذا النظام لحياتي طوال السنوات العشر الأخيرة، حتى بدأت مرحلة حبي للقطط من سنتين. ومنذئذ وأنا أهز رأسي للقط الأسود في الصباح محيية إياه كل يوم. وهو، شامخ كتماثيل القطط الفرعونية، لا يكترث بتحيتي ويمضي لأمور أهم.

بعد تفكير عميق أدركت أن أفضل حل للتخلص من القط الأسود هو اقتنائه. خيل إلىّ أن ربما إذا نجحت في جعله ملكي سيحبني ويفتح قلبه ويوضح لي دوره في حياتي. بدأت في رحلة بحث سرية (لإن أمي تكره القطط وما عادت ترغب فيهم بالبيت) عن قطي الأسود بعيونه الخضراء. قررت أن اسمه سيكون جعفر، وأخذت أتحدث عنه مع أصدقائي، وأضع صوره في كل مكان. رأيت الكثير من القطط السوداء، ولكن أبداً لم يكن جعفر بينهم. خطر لي أن أجري خلفه في الصباح عندما أقابله وأمسك به، ولكن شعرت أن مثل هذا الفِعل قد يعطيه الانطباع الخاطئ عني، ويجعلني أبدو كخطافة قطط، ومن سيريد أن يفتح قلبه لإنسانة طاردته في الشوارع وهزت هيبته أمام القطط المشمشية والرمادية؟

ولكني اليوم أستيقظت بقرار حاسم: أنا لا أريد أن أقتني جعفر أبداً. سيعيش جعفر في خيالي كغاية، كرمز، كتذكِرة لي بكل أحلامي التي تتسرب من يدي عندما أطاردها، وتأتيني عندما أزهدها. لا أريده حبيساً، بل حراً ووحشياً كأفكاري، حتى لو تجاهلني، حتى لو لم أعرف أبداً سبب وجوده في حياتي.

قمت من سريري وأعددت نفسي لهذا الصباح ونزلت الشارع. كان علىّ أن أسير قليلاً حتى سيارتي. نظرت بجواري وإذ بقط أبيض يقفز فوق بركة مياه كبيرة بمنتهى الرشاقة والرقي، ليهبط على الجانب الآخر بدون أن يمس الماء، ويجلس في ثبات وثقة وكأن هذه القفزة العملاقة هي أقل ما يمكن أن يؤديه من أفعال مبهرة. ضحِكت وقلت في سري: "يا سلام؟ يعني خلاص، مش عايز تبل رجلك للدرجة دي؟" فالتفت لي القط وقال "مياو"، فقلت "مياو" وهززت رأسي محيية وأخرجت مفاتيحي. وقبل أن أهم بفتح السيارة أدركت ما حدث، فجمدت في مكاني والتفتّ ببطء: نعم، إنه قط، وأبيض، وقال لي مياو. أجلت النظر حولي فيما أراه من الشارع. لا أثر لجعفر. نظرت للقط الأبيض، واقتربت بتمهل وقلت له مياو، فقال مياو، واقترب. رَبتّ على رأسه ودلكت أسفل ذقنه، فقال مياو أطول من الأولى، وأدار رأسه في يدي يميناً ويساراً ليحصل على أكبر قدر من الدفء.

استدرت وركبت السيارة، وأدرت المحرك وأنا أعرف أنني لن أرى جعفر بعد اليوم. أبداً.