الصفحة البيضاء هي الموت، هي قبري الذي ينتظرني. افتحها وانظر فيها فتحدق هي فيّ، ويكون علىّ أن أرمي فيها بنفسي، أو بأي شيء آخر فداًء لي. أشق أطراف أصابعي، شقوق صغيرة، لعل الكلام ينسال منها ببساطة، ولكن البوح يستعصى على التبسيط.
أفكر: إذا أملت رأسي هكذا قد تأتي الكتابة، أو إذا شربت زجاجة مكتوب عليها "المُر"، أو إذا تنفست هواًء نظيفًا، أو إذا جلست وحدي بعض الوقت، أو إذا مشيت تجاه الحائط مباشرة وخبطت رأسي فيه. ولكن لعنتي هي أن الكتابة لا تأتي مع ميل في الرأس أو هواء في الرئة، بل تأتي وأنا متعبة للغاية، وأنا نائمة، وأنا ينتظرني الكثير من الغسيل، وأنا أقود لمسافة طويلة وبجواري يجلس حوار مُجْهِـد.
الصفحة البيضاء هي النداهة: تهمس من بعيد، فأترك كل شيء وأتبعها؛ أقوم من النوم، أترك حوار في منتصفه، أنظر دون أن أرى، أفتعل تعبيرات بوجهي دون أن أسمع أي شيء مما قيل، وتنغلق كل حواسي وأسير بالدفع الذاتي.
لا أستطيع أبدًا أن أفتح صفحة بيضاء وأجلس أمامها في انتظار الكتابة. ولكن تأتيني كلمة، فأُمسك بمقشة كبيرة وأكنس دماغي من الداخل جيدًا، ثم اغسلها من فوقها لتحتها بماء بارد والكثير من الصابون برائحة اللافندر، ثم اجففها، وأُفسح المجال لتلك الكلمة لتأخذ أي شكل تريده. من هذه اللحظة لا تصبح دماغي فوق رأسي، ولا أستطيع أن أتحكم فيها، ولا حتى أن أتذرع بهرشها لأتأكد من أنها مازالت هناك، أعلى رقبتي.
يمكنني في أي وقت أن أغمض عيني، فأرى دماغي وكأنها جهاز صُنع غزل البنات: تضع السكر في منتصفه، وتضع العصا الصغيرة في الجهاز وتديره. يسخن الجهاز، وتتجمع حول العصا خيوط رفيعة من الغزل، وتظل العصا تلف وتدور، والغزل يكبر ويكبر، وهناك طفل يبكي لأنه يريد غزل البنات الآن.. فورًا، وآخر لا يريد أن تكون له أية علاقة بكل هذا اللف والدوران. لا تتوقف دماغي عن الدوران أبدًا. يتجمع الغزل ويملأ زوايا وأركان دماغي، بل يتجمع ويتجمع ويغطي أثاث دماغي، وكل أجهزته الكهربائية. وأجدني، في المرة التالية التي تأتيني فيها كلمة، أغرق في كل هذا الكم من غزل البنات، ويكون علىّ، في كل مرة، أن أبدأ من البداية لأفك كل هذه الخيوط.
الصفحة البيضاء هي الاحتمالات اللامتناهية، هي الشاسع والمطلق والرحِب..
.. ويكمن فيها أيضًا احتمال الخرس. تصبح الصفحة البيضاء عندها موت هزلي، غير بطولي بالمرة، ونهاية لحياة ماسخة مرت دون أن يلاحظها أحد، ولا حتى صاحبتها. تصبح الصفحة نقطة في نهاية جملة العَيْش.
غزل البنات..
سكر نبات..
تبات ونبات..
صبيان وبنات..
لكن – في الواقع – أبوك السقا.. مات.
* الصورة إهداء خاص من يسرا
!الصفحة البيضا مفيش أحسن منها
ReplyDeleteالبياض بيكون مرعب
ReplyDeleteكل التناتيف اللى بتتجمع من غير ما تاخد شكل و لا تخرج هى الانهاك بعينه
كل سنه و انتى طيبه يارحوبه
انتى غزلتى البياض ف حدوته
اميره الحواديت مبتموتش هيه بس محبوسه شويه ف قفص على سحابه
حتكسره و تطير
عارفه يا رحاب اكتر حاجه بتقتلنى ايه
ليه ناس كتير بتستخف باللعب بالكلمات و تخريج اللى جوه
مرحباً بعودتك
ReplyDeleteما أجمل ما تكتبين!ه
مشاعرك عميقة جداً كالعادة و دايماً بتوجعيني معاكي يا رحاب
ReplyDeleteويتجمع ويغطي على أثاث دماغي، وكل أجهزته الكهربائية "... جميلة جداً "
رحاب زمان كان اللى يمتهن مهنة الأدب بيقولوا عليه " لقد أصابته حرفة الأدب" لأنه حيمشى يكلم نفسه ليل و نهار و وكأنه فى حالة مخاض دائم زى حلاتك كده. يعنى أبشرك أنك حتظلى زى ما طه حسين قال فى كتابه "أديب" تضنيك علة الأدب... ربنا معاك... و يارب تظلى تكتبى و تدخلى البهجة و الدهشة على كل اللى يقرأ البلوج بتاعك ...
ReplyDeleteحلوة
ReplyDeleteالصفحة البيضاء هي الموت، هي قبري الذي ينتظرني. افتحها وانظر فيها فتحدق هي فيّ، ويكون علىّ أن أرمي فيها بنفسي، أو بأي شيء آخر فداًء لي. أشق أطراف أصابعي، شقوق صغيرة، لعل الكلام ينسال منها ببساطة، ولكن البوح يستعصى على التبسيط
ReplyDelete............
.........................
...................
....................
غزل البنات.. سكر نبات.. تبات ونبات.. صبيان وبنات.. لكن – في الواقع – أبوك السقا.. مات.
مقدمه = الهدف
وسط= حشو زائد
نهاية= تلخيص
البدايه موت و النهايه موت
والامل و غزل البنات ما هو الا حشو زائد
كل سنه وانتى طيبه
ReplyDeleteمتألقه كالعاده
كويس انه بالصدفه انا اول واحد اكتب تعليق
رائعه كالعاده
يا ريت لو سمحت اعرف ايميلك او تقوليلى هنا انه الايميل ممنوع
لأنى طلبته فى البوست الاخير وانتى مش علقتى ولا اتواصلتى معايا
eahmad1@hotmail.com
والله عندك حق فعلا الافكار خيوط الذكي بس اللي يقدر ينسجها
ReplyDeleteديما النهاية دى
ReplyDeleteعبث
هوة دة الحل
الكتابة عندى أشهى من تذوق الفاكة الطازجة
زكذتى أوى على المعاناة
فعلى الاقل أعطنى جمال و متعة الكتابة
Welcome back, missed your writings, been checking your blog daily, please don't stop for such long stretches of time...
ReplyDeleteEid mubarak - Nada from Dubai
الصفحة البيضاء هي الاحتمالات اللامتناهية، هي الشاسع والمطلق والرحِب..
ReplyDelete.. ويكمن فيها أيضًا احتمال الخرس. تصبح الصفحة البيضاء عندها موت هزلي،
جملة توجع
وحيرة ومعاناة أي حد بيحب الكتابة
بس مش دايما الكتابة بتحبه
جميلة جداً .. قاسية جداً
ReplyDeleteعجبتني جداً
أنا ماليش دعوة بالكلام ده كله - صفحة بيضاء او صفحة خضراء، لن أقبل أبدا بأى من تلك الحجج. كل يوم ماكينة غزل البنات تطلع بغزل البنات، وتكتبه على المدونة وحسام يقراء الكلام وياكل غزل البنات وبعدين يلحس أصابعه ويقول "يا نهار - أنا ضيعت ساعة على مدونة رحاب، يالله اليوم طويل"
ReplyDeleteانما انتظر لما ان شاء الله الكراكيب تتراكم ودماغ رحاب تصل للكتلة الحرجة - اسف يا استاذه - الكلام ده ماينفعش. اكتبى يللا!
Ya Berry,
ReplyDeleteWhy do you keep us waiting for so long ya moftareya? :)
What I love about your writings is that you do not just create visual images, but rather mental and emotional ones. Ya3ny this "cotton candy" imagery, it has everything; I could actually see the movement of the machine, hear the kid's crying, taste the candy sweetness... in a nutshell, I could "live it"!
Also, the extremes you provide as an interpretation for certain things are just brilliant like the interpretation for "a white page"; it could be "endless possibilities" or "muteness". I so much believe that many things in our lives can be interpret in two opposite directions.
The tone was very intiguing in the first three paragraphs, then moved to be fresh and light with the fourth (fe paragraph el nadafa :D), then sweet and tasty in the cotton candy paragraph. Bass I do not understand the last line... or maybe I do but the word "in fact" (fel waqe3) hit me. You started the line with beautiful things... 7awadeet of tabat we nabat... sweetness of ghazl el banat... but then, you ended it with a sad phrase "abouk el saqa matt"... but what makes it worse is that it is "el waqe3"! Is our reality sugar coated but in fact it is ugly and bitter?!
Thanks for the beautiful post and the food for thought! Write more ya kaslana :))
Mermaid
مش عارف هو جميل و لا لأ، إنك تعرفي موقفك من الأشياء، بس أكيد مفيد حتى لو احنا معرفناش نستفيد منه
ReplyDeleteمرة واحد صاحبي قال..
( حاول الهرب.. نجح، و كصفحة بيضاء ملأته اللذة الآثمة )ء
تحياتي
حمد الله ع السلامة ... مش عارف اعلق على البوست خصوصا وانه متشابك ومتشابه فى نفس الوقت
ReplyDeleteحمد الله ع السلامة مرة تانية وفى انتظار المزيد
تعرفي كتير بحس ان جوايا حاجة عايزة اقولها و معرفش اشخبط و لا حاجة في الصفحا البيضا و لما باجي عندك بقرا اللي جوايا
ReplyDeleteخليكي كدا دايما
حدوتة حلوة
berry you are leaping giant steps ! outstanding piece bigad .. by all means send it to akhbar el adab or some literary magazine.
ReplyDeleteشوفي يارحاب
ReplyDeleteلا يصح الا الصحيح
هذه المرة تفوقتي على نفسك
قهرتي الصفحة البيضاء
أخترتي الوقت الصح لتشغيل ماكينة غزل البنات في رأسك
فاشتغلت الماكينة بكفاءة عالية
فخرجت لنا بغزل للبنات يحمل لنا فلسفة اللون الأبيض وما يعنيه للكاتب
وأحسنتي الاستعارات التي لا أخفي اعجابي بها
امتعتينا
والحلو أقوله يا حلو في عيونه
لمن تكتبين؟.. لنفسك ام للآخرين؟
ReplyDeleteمدونتك جميله قوى يا رحاب ارجو انك تزورى مدونتى المتواضعه وتشاركينى برأيك فى كتاباتى
ReplyDeleteشكرا ليكى
Polynomial:
ReplyDeleteوأشرف من الشرف مفيش :)
Hadil:
spoken like a true agent lol! :))
Lobna:
أنا بامشي اكلم نفسي خلاص...على فكرة إنتي نكشتي ونكتّي لي دماغي :) بس أنا ممتنة لده :)
Hossam:
to2 to2 to2 :P
مش كفاية تضييع وقت بقى؟ وفي الآخر بقت مدونتي هي السبب؟ شوف التلاكيك يا جدع! :))
Mermaid:
يا حلاوة يا أولاد! :))إيه كل الكلام ده؟؟ أنا مش قصدي أخليكم تستنوا أي حاجة...ما إنتي شايفة أهوه الموضوع ملعبك إزاي...مش بإيدي :)
أما بخصوص الحقيقة والواقع والسكر والمرار والحاجات دي...فأنا أخدت قرار شبه واعي إني ما اشغلش بالي بالكلام ده...لبعض الوقت على الأقل :)
الكل...منورين :)
betersha2y ya REHAB..:0)
ReplyDeleteالصفحة البيضاء....
ReplyDeleteالمليئة بالرحابة .. والطهر والعذرية
تموت حينما نكتب عنها
تصبح ورقة
مجرد ورقة لتوصيل الكتابة...
لو أننا لم نقنرف ذنب الكتابة لبقيت صفحاتنا بيضاء...
....
hey, it's R
ReplyDeleteit was great meeting you last night! your blog will be a must-read from now on! Keep up the good work and looking forward to reading more and more hawadeet!;)
انا مدون كويتي
ReplyDeleteصراحة المدونه حلوه وكلام جميل وجهد متعوب عليه
سجلوني عندكم كمتابع دائم لكم
اعرف جيدا ماذا يعنى ان يستعصى البوح علينا...و اعرف اكثر ماذا يعنى الانتظار امام صفحة بيضاء طويلا دون جدوى حتى من الانتظار...
ReplyDeleteو اعرف الان انك تمتلكين القدرة على التعبير عما يختلج بداخلك ابدع ما يكون البوح...فاليكثر اللة من صفحاتك البيضاء
الصفحة البيضاء هي الاحتمالات اللامتناهية، هي الشاسع والمطلق والرحِب..
ReplyDelete.. ويكمن فيها أيضًا احتمال الخرس. تصبح الصفحة البيضاء عندها موت هزلي، غير بطولي بالمرة، ونهاية لحياة ماسخة مرت دون أن يلاحظها أحد....... عزيزتي الصفحة البيضاء تحدي لا نهائي، فإما ان تموت و نمموت معها او ان يبقي ما نكتب عليها.......فأحيانا تموت الحروف حين تُقال
نحن نحاول اقصي ما نحاوله ان تعيش كلماتنا اكثر من ما نعيش نحن
تحياتي
حلوة مدونتك يا رحاب
ReplyDeleteوالبوست ده جميل جدا
من السهل اوي اننا نحول اي صفحة بيضة لصفحة سودة
لكن صعب اوي نملاها بكلام يستاهل يتقري فعلا
تحياتى ليكي
الله يا رحاب .. جميله أوى
ReplyDeleteوعاجبنى تداعى الأفكار
كتير كتير حلو، حبيت كتير الصورة المجازية عن البياض إنو موت على الرغم من إنو البياض هو عكي السواد الي عادةً بيرمز للموت. النقلة من مقطع لآخر سلسة بالرغم من عدم وجود رابط بالصور، بس رابط بالمعنى... يعني كولاج صور لزيز. و أكيد الأحلى هو إنو فعل كتابة هذا النص يتنافى مع مضمونه الي هو العجز عن الكتابة.
ReplyDeleteبس شو يعني كلمة "السقا" ؟
برافو :)
جميل
ReplyDeleteوإن كان ترك الصفحة بيضاء أحيانا يغني
ميه ميةةةة
ReplyDeleteأعجبنى جدا تعبير
ReplyDelete"وبجواري يجلس حوار مُجْهِـد."
.
رائعة جدا كلماتك واسلوبك اكثر من رائع دمتى مبدعة
ReplyDeleteما مدى تشابه الفزاعات؟
ReplyDeleteلا، ليس السؤال هكذا
السؤال:
ما هي احتمالات أن تتشابه ردود أفعالنا الخائفة بهذه الطريقة؟
لفهم أكثر :)
http://mamlaka.blogspot.com/2008/01/blog-post_17.html
بالمناسبة ليس غرضي المقارنة على الاطلاق
إنما هي روعة التجربة الإنسانية على تشابهها فينا:)
تحية متأخرة
الحقيقة أنا لقيت الصفحة بتاعتك على فيس بوك و منها على هنا اهتميت اقرا كلامك، و هنا قلت لازم اعلق و اقول على بياض كدة و من غير ماافكر كتير، الكلام عاجبني و الدخول من فكرة للتانية رائع، و انا استمتعت جداً و حكمل قراية بقية الحواديت :)
ReplyDeleteسلام يسري
الحقيقة أنا لقيت الصفحة بتاعتك على فيس بوك و منها على هنا اهتميت اقرا كلامك، و هنا قلت لازم اعلق و اقول على بياض كدة و من غير ماافكر كتير، الكلام عاجبني و الدخول من فكرة للتانية رائع، و انا استمتعت جداً و حكمل قراية بقية الحواديت :)
ReplyDeleteسلام يسري
السلام عليكم
ReplyDeleteأنت فى نفسك حدوتة
بنوتة حتة بسكوتة
نسمة تهفهف فى حياتنا
ضلاية من تحت التوتة
و هات ما عندك لأن واضح عندك كتير
و سلام
سلام الله عليك :طبعا حلوة وتذكرني بالالهام الذي لا يأتيني الا وانا في المطبخ أووانا ابدأ المذاكرة أو في التاكسي(للاسف فلو عندي سيارة سأوقفها فورا على جانب الطريق لادون على الورق مايستعصي على الذاكرة)
ReplyDeleteكملي الحواديت
حلوه كتييييييييير
ReplyDelete