يباغتني البكاء بوقاحة، ولأني لم أكن مستعدة، استسلمت بغيظ. أبدأ في البكاء وأنا في السيارة، عائدة للمنزل بعد يوم عمل طويل وبارد...بارد. تفاجئني غزارة الدموع. لا أعرف ماذا أفعل بنفسي. أخشى أن أغرق في سيارتي. لا أبكي فحسب، بل انتحب بصوت عالٍ. أرى نفسي من خارج الإطار: فتاة تبكي وتعلو سيارتها الصغيرة بالونة بها "إهيء...إهيء" كقصص الأطفال المصورة. صورة باعثة للشفقة. أبكي أكثر.
أفكر في خياراتي: لا أريد أن أعود للمنزل على هذه الهيئة، ستُذعر أمي. أقرر أن أقود بلا هدف لبعض الوقت. تزعجني نظرات ركاب السيارات المجاورة. أقرر أن اتجه للطريق السريع. أقود لمدة خمس دقائق، ثم يعود إلَى إدراكي السليم شيئاً فشيئاً، فأُدرك أن قيادتي وحدي في الليل على الطريق السريع ليست بالتصرف الحكيم. أخشى أن تتعطل سيارتي أو يضايقني أحد سائقي الشاحنات الكثيرة التي تحيط بي. أرى نفسي كتكوت مبتل وتائه وسط قطيع من الأبقار. أبكي أكثر. أسلك أول مخرج وأعود للمدينة. أنا في الأساس ضد القيادة بلا هدف.
ماذا أفعل الآن؟ البكاء لا يريد أن يتوقف. تخطر على بالي فكرة تأجير غرفة في فندق مجاور. ولكن ماذا سيقول العاملون بالفندق إذا سمعوا أصوات بكائي من خلف باب الغرفة؟ سيظنون أن أحداً يضربني أو في أحسن الأحوال سيظنونني مجنونة. تفاصيل...تفاصيل...والمزيد من التفاصيل العبثية. أنا بردانة...بردانة جداً. أين يمكنني أن أبكي بدون إزعاج؟ السينما؟ أتفقد الساعة فأجدها تجاوزت العاشرة مساءً. أين إذن؟ أفضل مكان للبكاء هو مكان كئيب أصلاً. ماذا عن المقابر؟ تنتابني رعشة وقشعريرة. صورة ذهنية واحدة للمقابر ليلاً في هذا الجو البارد صرفت الفكرة تماماً.
تنقذني مكالمة هاتفية.
"إزيك!....إيه ده صوتك عامل كده ليه؟....بتعيطي؟! إيه اللي حصل؟....طيب إنتي فين؟...طيب أنا في بيتنا اللي هنا...هننزل نستناكي تحت البيت...ماتروحيش...ما تطنشيش...إحنا واقفين في الشارع اهوه..."
يتبقى لدىّ قليل من البكاء أفرغه في حضن صديقتي. مجرد وجودها مع زوجها صديقي في سيارتي الصغيرة يجعل الحياة أدفأ. تحاول أن تتكلم معي وأحاول أن أتكلم وسط بكائي. في المقعد الخلفي يجلس زوجها صامت تماماً يحاول أن يفهم. عندما يتكلم يقول إنه لا يستطيع أن يصدق أنني أبكي لأنه كلما يفكر فيّ يضحك. أدرك أنني لا أريد الكلام، فقط أريد أن أبكي. أرانا جميعاً من خارج الإطار: ثلاثة أشخاص بملابس ثقيلة مكدسون في سيارة صغيرة، بخار يتجمع على نافذة السيارة الأمامية، والفتاة التي تجلس في مقعد السائق تبكي وترسم على بخار أنفاسها مربعات ومكعبات.
بمكالمة قصيرة ولفة صغيرة من مقود السيارة انخفضت احتمالات إصابتي بالجنون، أو أن يضايقني أحد، أو أن يأخذ أحد المارة على عاتقه عبء حل مشاكلي أو إسداء أي نصيحة، أو أن يختطفني أحد، أو أن تهاجمني العفاريت، وانخفضت احتمالات أن أتجمد من البرد على قارعة الطريق. الدفء إحساس داخلي فعلاً.
Thursday, June 30, 2005
الدفء
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
مازلت لا استطيع أن أتخيلك تبكين لأنه كلما فكرت فيك أضحك :)))
ReplyDeleteجميلة جدا يا رحاب
Now u make me cry although I agree that whenever I think of you, I really smile "at least"...yes it is e7sas dakheli...it is so painful when u feel cold in July.
ReplyDeleteاحساس الوحدة احساس بالبرد00000000تعبير جميل لكن مش دايما الناس هى اللى بتحسسنا بالدفا000ساعات بيكون الهرب للوحدة حل امثل ساعات احساس الوحدة بيدى دفء داخلى جميل بعدها نواجه زحمة الحياة بشكل اقوى000
ReplyDeleteI have one thing to say: "el mas2ala dynamic ya Re7ab!" ;)
ReplyDeleteالقصة جميلة جداً يا رحاب... فكرتني بشتاء القاهرة الجميل الذي يحمل معه برودة ووحدة أحياناً ثم يفاجئك بشمس دافئة في الصباح التالي
نعم .. الدفء إحساس داخلي... وهو أيضاً اختيار :)
لأ لو سمحتي يا سامية ما تلخبطيش المفاهيم: السعادة اختيار والدفء إحساس داخلي ;)
ReplyDeleteبس إنتي عارفه إن الدفء ينفع يبقى اختيار برضه؟ يعني الواحد دايماً دايماً ممكن يلبس تقيل وخلاص :P
عمرو: أنا عارفه إني مش مُقنعه وأنا حزينة...أنا ساعات بابقى حزينة فعلاً وآجي أقول: أنا حزينة، اقعد اضحك على نفسي! :)
نرمينا: ده برد قديم...برد من فبراير كده :) افتقدناكي امبارح :)
بيبو: الوحدة حاجة..والبرد حاجة تانية خاااااااالص
You are the most smiling person I ever know aslan, cry?
ReplyDeleteI'm sure you are more beautiful when you are dong this :)
El Def2 e7sas dakhli aktar men eno ekhteyar, kol 7aga 7waliki momkn te2asr feeki w te7asesk bel def2.
w fe aw2at tania, bteb2a kol 7aga 7waliki momkn tesa3d fe keda, bas gowaki bardo bard gedan.
اسمحيلى اقولك ان هذه القصة لو كانت واقعية اصبحت رائعة
ReplyDeleteواذا كانت مؤلفة
اعتقد ان لديك مستوى اعلى من هذا بكثير
Rours :)) Missed you my friend.
ReplyDeleteLet me tell you something, I usually don't have much patience to complete a story that have lengthy intentions, but with your stories, short ot long, I always complete them till the end and without even knowing that I am close to finishing them.
You are right on that statement, I very much agree on "el bard aw el def2 e7saas daakhili"...100%.
I loved your story.
P.S.: I am driving with no destinations in mind these days (!)
Take good care.
xoxoxoxo,
Maysoun Saadi
الدفء كلمة غريبة فبالرغم من انها لفظيا تعبر عن حرارة مرتفعة بعض الشئ في الطبيعة الا انها اصطلاحيا لها دلالات شعورية مختلفة تماما. تخيلي انك تعيشين في بلد حار جدا كدولة من دول الخليج مثلا وبعد ساعات العمل المملة الغير منتجة تفتحي باب السيارة ودرجة الحرارة داخلها يقارب 55 وتشغلين جهاز التكييف وتستمري في العرق حتى تصلين الى المنزل وهناك الحظ اوفر لأن التكييف مركزي ويعمل 24 ساعة وبعد ان تستبدلي ملابس العمل بملابس مريحة تمددي على الكنبة ومستمتعة بهذا الجو البارد تفكري في نفس الفكرة كل يوم كأنها ميعاد لحبة دواء أو حقنة انسولين "انا بردانة ومن شوية كنت حرانة.. لا ده عاجب ولا ده عاجب...في ايه" وتكتشفين "في ايه" بمجرد ان تشمي رائحة "الفنيك" الممبعثة من ارضيات مطار القاهرة الجديد وتخرجين من ارض المطار والجو القاهري حار ايضا وملوث ولكنه دفيء ثم تدخلين منزلك وتجدين التكييف ايضا شغال والجو بارد بعض الشء ولكنه ايضا دفيء.
ReplyDeleteألبس كوفية واشتري بعض القهوة من "شيلانترو" وأجلس على محطة مترو في مصر الجديدة في الشتاء هذا احساس بالدفء ... امسك يد فتاة صغيرة تقارب السبع سنوات وأعبر بها الشارع هذا احساس بالدفئ. كوب من كاكاو باللبن البلدي تعده لي جدتي رحمها الله في الصيف...هذا احساس بالدفئ.
دففففففففء الـ"فففففف" كأني انفخ في القفازات الصوف التي ارتديها في الشتاء... وبعد كل هذا مازلت لا أفهم العبارة التي كانت تدرسها لنا ميس الجغرافيا في الاعدادي "طقس جمهورية مصر العربية حار جاف صيفا ممطر دفيء شتاءا"
صباح الخير يا حدوتة، أول مرة نتكلم، عاجباني قوي مدوناتك، نتائج الاختبار بتاعتك استعملتها مع الباقي في تحليل سريع، بصي عليه لو عايزة
ReplyDeleteYa kooka, nice profile photo ya Berry, your face still the same...so cute :)
ReplyDelete
ReplyDeleteأرى نفسي من خارج الإطار: فتاة تبكي وتعلو سيارتها الصغيرة بالونة بها "إهيء...إهيء" كقصص الأطفال المصورة
رائع يا رحاب.. بس ياترى دا حقيقة ولا قصة قصيرة؟!
لكنها فى قفشات سريعة أخدت قلبى معاها..
3arfa en el posts 2adema showaya bs
ReplyDeletebgad lama reg3telha w 2areet la2eet 7agat 7elwa awe awe tedafee bgad
a7la 7aga enak lama tkon 3agez 3n el ta3beer3n el m7agat el so3'ayara de w el mohema w tla2ee 7ad by2olhalak bshakl kalam w 7awadeet
ana b7eb el 7awadeet awe ya r7ab
bet3alem f el 2alb
e7kee
ente f3lam ma7'lo2a lel7awadeet w sham el ward
rehab ,if i may call you with your first name ,i just read all your blog entries ,i marveled at your style and your humor ,your wild imagination ,i also envied your social life with your nice friends .all of this made me long to return to egypt /alexandria and try to live there (yel3an abu america ) .just to be surrounded by people like you and my friends whom i haven't seen in twenty years .i started blogging too not too long ago ,it's nothing compared to your hadouta but take a look at it and if you like it put my link on your site ,please please .yalla shokran and best of luck .
ReplyDeletesilly me i forgot to give you the link
ReplyDeletehttp://wherethesuitcaseis.blogspot.com/
i better go to bed it's two in the morning .