اشفقت علىّ أمي عندما قرأت ما كتبته عن حزني لعدم زيارتي للأسكندرية منذ خمسة أشهر، ففاجأتني مساء يوم الخميس:
"نطلع اسكندرية بكره الصبح؟"
"موافقة!"
"واللي يرجع في كلامه؟"
"يبقى عيل!"
صباح الجمعة: ضباب يلف القاهرة وتزيد كثافته كلما اقتربنا من المحور. وعند المحور كنت أمشي على سرعة 40 كيلومتراً في الساعة، وأرى السيارة التي أمامي فقط لأن قائدها أضاء أنوارها. شعرت أنني سمكة في حوض السمك! شعرت شعور أسماك أمي عندما تسافر وأنسى تغيير المياه لهم. اجتهدت لأركز في الطريق وأنا أسترجع ما أعرفه عن الضباب
يتكون الضباب عندما يبرد الهواء لدرجة يبدأ عندها بخار الماء في التكثف على هيئة قطرات صغيرة جداً من الماء.
في العام الذي عُرف بعام الضباب كانت أمي تذهب للكلية لتحضر محاضراتها وتقابل أصدقائها، ولكنها كانت تذهب للكلية بشكل عام لتلعب التنس وتجدف في النيل. كانت أمي مقررة اللجنة الرياضية ونائبة رئيس اتحاد الطلبة. وبين ليلة وضحاها أصبحت رئيسة الاتحاد، فلقد استُدعي رئيس الاتحاد لقضاء الخدمة العسكرية! وجدت أمي نفسها وسط مظاهرات واعتقالات ومحاكمات للطلبة: "رحنا النيابة. ورحنا معاهم المحاكمة. كان لازم نروح. مش معقولة يعني واحد زميلنا يبقى معانا بيحضر محاضرات وتاني يوم متهمينه بالخيانة العظمى!"
الأسبوع الماضي، في أول محاضرة لها في الفصل الدراسي الجديد، وبعد أن وزعت أمي على الطلبة المقرر وقائمة بالكتب والمراجع، سألت إذا كان لديهم أي سؤال، فقامت طالبة منقبة وسألت أمي: "إنتي ليه مش محجبة؟"
أول ذكرياتي عن الضباب: كنا نجوب أوروبا في سيارة مستأجرة. أعتقد أنني كنت في السابعة أو الثامنة من عمري لأن شعري في الصور قصير جداً. كنا في مكان ما على جبال سويسرا وأخذت السيارة في تسلق جبل شاهق. كنت أنا وأخي نائمين واستيقظت لأجد أنني لا استطيع رؤية أي شيء خارج نوافذ السيارة. سألت أبي فقال إن هذا مجرد ضباب، وأنني إذا نظرت جيداً سأستطيع تمييز سفح الجبل العالي الذي كنا نرتقيه ببطء، وغالباً شرح لنا أبي ما هو الضباب. لا أتذكر ما إذا كنت نظرت لأسفل أم لم أنظر، ولكن أتذكر أنني لم أكن خائفة وأخذت اتأمل بتعجب حالة انعدام الرؤية خارج النافذة حتى سقطت في النوم.
تقول أمي إن فروض الإسلام خمس.
وفي لبنان منذ عامين، وبعد جولة في غابات الشوف وبيت الدين ودير القمر، توجهنا إلى غابات الباروك. جبل شاهق آخر. أشجار الأَرز في كل مكان وأسفلنا يتضاءل العالم بسرعة. إحساس غريب يتملكني وأنا أصعد لأعلى...لأعلى...لأعلى...
(أخذت أليس في الهبوط لأسفل...لأسفل...لأسفل في جُحر الأرنب)
الجو فوق الجبل محدد الملامح. لا أعرف إذا كان هذا هو التعبير الصحيح ولكن هذا كان إحساسي: جو صريح. العالم يبدو وكأني فجأة نظفت زجاج نظارتي. رائحة الصنوبر والأشجار والأرض تملؤني. أتخلف عن المرشد وباقي المجموعة وأقف في الصمت. الصوت الوحيد هو عجلات عقلي وهي تحاول أن تتوقف. فجأة يحيط بي الضباب. أدور ببطء في مكاني. لا...هذا ليس ضباب...إنه السحاب...أنا أمشي بين السحاب! أنا فعلاً أمشي بين السحاب وهذا ليس تشبيه بليغ أو استعارة! كنت أود أن أقول إنني احسست بالخفة والتلاشي في روح العالم ولكنني كنت مشغولة، أحاول أن أركز جداً في مراقبة ماذا سيحدث لي وأنا أمشي بين السحاب، فلم أحس سوى بسعادة غامرة ثم قشعريرة مفاجئة تلتها رغبة شديدة في أن يحتضنني أحد. التقطت عود خشبي رطب وتنفسته بعمق، وأسرعت لألحق بأصوات عائلتي.
يقولون إنه عندما يقشعر بدنك فجأة فهذا معناه مرور روح ما عبرك.
والأسبوع الماضي أحاط بالطريق الدائري ضباب كثيف تسللت عبره قطرات كبيرة من المطر. أخذ الطريق مني ساعة وربع رغم أنه في العادي يأخذ نصف ساعة. اضطررت لأن أسلك طريق جديد، فزدت من ارتفاع صوت ألانيس موريسيت في المسجل وركزت كل جهودي على التدريب على نفخ بالونات كبيرة من اللبان حتى لا أفكر...
(الوقت متأخر...الدنيا ضلمة...الضباب وصل لحد عقلي...غالباً هأتوه لأني ما جربتش الطريق ده قبل كده...بس أنا عندي إحساس كويس بالاتجاهات...بالونة أكبر...أيوه...من غير ما تلزق في مناخيري...كويس...واحدة كمان...)
على أول طريق السويس (أو ما أظن أنه أول طريق السويس) انقشع الضباب فجأة وتوقفت الأمطار واكتشفت أني—يا سبحان الله!—عند بداية طريق التجمع الخامس! تنهدت وابتسمت بفخر: أهوه! ما توهتش! لازم تبقي واثقة في قدراتك! انتقل بالموسيقى إلى ديانا كرال. ألف اللبانة في منديل وألقي بها في المطفأة وأغني مع ديانا بأعلى صوت: "بيساميه...بيساميه مووووتشووووووو..."
Tuesday, March 01, 2005
أنا والضباب وهواك
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
سلام
ReplyDeleteاحييك علي طريقة تحكمك في خط عملية الحكي
كتاباتك دائما سلسة بشكل بديع
أحلى :)
ReplyDeletemerci ya 3amour :))
ReplyDeleteThe anonymous returns:)
ReplyDeletethought i will check ur breath for bubblegum:P
i stand in awe for the smooth writtings of ur intellectual sail:)
good luck and really cant wait for more:)
and the anonymous strikes again :)
ReplyDeletethanks ya shenbo for the grand words...YOU should be the one with the blog not me...u r the poet part of the family after all ;)
tafa3eeeeeeeeeees
p.s. ella sa7ee7...3ereft meen samira wla lesa?! :PP
what kind of (Leban) did You eat?
ReplyDeleteplease, tell me
Hadeer Aziz