أفتح الباب، وأخرج، ناويه أخطّي خطوات جديدة.
أتعشيت في المطعم اللي كنا بنحبه. فاكر؟ كوكتيل الجمبري وشوربة البصل على الطريقة الفرنسية. كنا شيك أوي إحنا، مش كده؟ إحنا كنا فاكرين إيه؟ المطبخ الفرنساوي هيبقى طعمه زي الأكل الفرنساوي؟ شوربة البصل في الزمالك هاتجيب الحي اللاتينى من باريس لحد عندنا؟ معدتي بتقلب لما بأفتكر. المرة دي بقى أخدت كل أولاد عمتي الصغيرين. التسع عيال. قعدوا ياكلوا ويرغوا ويزنوا على الجرسونات، وطلبوا صودا أد كده، واتخانقوا وهم بيختاروا أطباق مش عارفين ينطقوا اسمها أصلاً. أنا بأفكر إزاي؟ أنا هآخد شوربة البصل بتاعتي! مايهمنيش شربناها كام مرة سوا، ولايهمني أد إيه كنا فاكرين نفسنا شيك وكلاس وبنفهم. دي شوربة البصل دوا للنفس العليلة! أصلاً شوربة البصل دي روح المطبخ الفرنساوي! طلبتها لينا كلنا. العيال حبوها خالص! فكرة العيش اللي عليه جبنة سايحة وغطسان في الشوربة جديدة عليهم تماماً ومذهلة جداً لدرجة إنهم قعدوا ساكتين طول ما هم بيشربوها. ربنا يحميهم: بخدودهم المورّدة، وصوتهم العالي، وضحكهم اللي طالع من القلب. وبعد الأكل حضنوني وباسوني ووشوشهم غرقانة كاتشب. كل ما هأدخل المطعم ده بعد كده هأفتكر إزاي مريم، بنت عمتي اللي عندها ثلاث سنين وأقرب واحدة لقلبي، قامت فجأة واتسحبت من جنبي، وراحت عند ترابيزة جنبنا، بصت للراجل اللي قاعد عليها باحتقار وزمت بقها وضيقت عينيها وزعقت فيه بصوت عالي جداً: "أنت...غبي!!" الصراحة يعني الراجل كان شبه راغب علامة في الفيديو كليب الأخير ولكن ده مش معناه يعني أنه يتشتم! لكن برضه: مريم أكيد كان عندها أسبابها. أن واثقة في فطرتها. شربت شوربة جديدة علشان أمحي مرارة قديمة.
طلعت الجبل الرائع اللي شفنا من فوقه الغروب يجي مئة مرة. أخترت يوم شتوي مثالي: شمس ودفا مع هوا ساقع كده ع الخفيف، علشان أمحي اليوم التاني اللي كان كله غيم وكآبة، لما كان نفسي تحضن إيديا وكنت أنت عاوزني أخبطك بحاجة تقيلة. كان مفروض أفهم يومها. كان مفروض أشوف العقل القاسي بدل ما أحلم بالقلب الحنين. كان مفروض أعرف مين اللي له الكلمة الأخيرة: العقل وإلا القلب. المرة دي، اليوم الشمس، أخدت بنت خالي وأخويا. هما الاتنين جايين من أماكن برد، والشمس كويسة ليهم. الشمس دايماً كويسة لينا. ساعات بأحس بالشمس داخلة على قلبي عِدل. أنا كنت عاوزاهم يخزنوا شوية شمس في قلبهم علشان الأيام المغيمة اللي جاية. الشمس يومها كانت كريمة معانا والجو كان ذوق. اتكلمنا كتير، وعيطنا، وحضنّا بعض، وشربنا عصير قصب. حسينا بعد كده إن كل حاجة مهما كانت وحشة هتعدي. دلوقتي كل ما أفتكر الجبل ده أفتكر اليوم الشمس ده. كل حاجة هتعدي طالما الشمس في قلبنا. كان لابد من غروب جديد ينسيني القديم.
مشيت في الشارع اللي مسكت فيه إيدي أول مرة وسألتني إذا كنت شايفة إني جميلة، إذا كنت حاسة إني لا أُقاوم. أشتريت صواريخ صغيرة كتير جداً، ورحت هناك ليلة العيد مع صاحباتي الاتنين وولعنا الصواريخ: أحمر...أصفر...أزرق...أخضر! أنا جـمـيـلـة! أنا فعلاً لا أُقاوم! قعدنا نضحك ونضحك، والناس اللي ماشية في الشارع يبصوا لنا باستنكار ويعوجوا بقهم ويكرمشوا مناخيرهم ويقولوا: توء توء، قمنا اديناهم شوية صورايخ، وفجأة الشارع بقى مهرجان من الألوان السعيدة. أنا بحب أوي لما الناس تفتح مخها لحظة بس وتسيب نفسها خالص. في رأيي اللي حصل لهم كان تغيير تام في الثوابت. روحنا مشي أنا والبنات. حسيت إني لأول مرة بأحس بالهواء على وشي. حسيت زي ما أكون النفس اللي باخده محدش خده قبل كده أبداً. زي ما يكون جسمي اكتشف التنفس. دلوقتي كل مرة أعدي في الشارع ده أبتسم ابتسامة كبيرة. صواريخ وألعاب نارية جديدة بدل النار القديمة. ألوان سعيدة. جميلة. لا تقاوم.
رحت الحتة اللي على النيل اللي كنا بنروحها في الشتا ونقعد نتشمس. رحت لوحدي. مش هتصدق! تصور كان في بنت قاعدة هناك بتعيط؟! فاكر البنت التانية اللي كانت برضه قاعدة هنا في نفس المكان بتعيط؟ فاكر إزاي قعدت تضحك عليها، وبعدين قعدت تضحك عليا لما قلت لك إني عاوزة أروح اتكلم معاها لأني حسيت إنها هترمي نفسها؟ أنا لسه مقتنعة إني كان ممكن أساعدها لو كنت سبتني. كان ممكن على الأقل أقول لها النكتة اللي بحبها! ولكن طبعاً أنت كالعادة مسكتني من جناحاتي وخلتنا نسيب المكان كله ونمشي. أنت طول عمرك ماكنتش بتحب تبقى حوالين أي حد زعلان أو حزين. مش الجو بتاعك ده. المرة دي قعدت لوحدي: منبهرة بالمنظر وبغبائي. كلامك لسه بيرن في ودني. لكن سامعة صوت عياطها ونهنهتها. قعدت بعيد عنها علشان ما أقاطعهاش في اللحظة الخاصة دي. أنا عارفة أد إيه مهم إن إحنا نشفق على نفسنا. محتاجين ده من وقت للتاني. محتاجينه من نفسنا علشان مانروحش ندور عليه بره. بعد شوية رحت لها. طبطبت على كتفها بصت لي. بصت بعينين طيبة. قلت لها إني آسفة على اللي حصل وزعلها كده، وقلت لها إني متأكدة إنها أكيد هتبقى أحسن. بدأت تعيط تاني، قمت أنا معيطة. قعدت أطبطب على إيدها: الحركة العصبية بتاعتي اللي بحاول بها إني أريح القلوب المعذبة. إديتها لبانة وقعدنا ناكل اللبان وإحنا ساكتين. قلت لها النكتة اللي بحبها وقعدت تضحك وتعيط، وتعيط وتضحك. ضحك جديد علشان يبعد كل القديم. المكان ده دايماً هيفضل "الحتة الشمس" بالنسبة لي. سلمت عليها ومشيت وأنا حاسة إني إنسانة أفضل، وحاسة إني فخورة بنفسي. أنا مبسوطة أوي علشان جناحاتي رجعت لي.
هأقفل الباب وأمشي لبعيد، هآخد خطوات جديدة تمسح القديمة... دلوقتي بس أقدر أمشي من تاني.
(كتبت هذه القصة بالإنجليزية في ديسمبر 2002)
Friday, January 21, 2005
خطوات جديدة
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
I have always simply loved this story, be it in english or in arabic, and let me tell you that they both lead to the same feeling in me. You should be proud that both versions are that equal in impact :)
ReplyDeleteNelson Mandela once said that "there is nothing like returning to a place that remains unchanged to find the ways in which you yourself have altered." I love that discovery whenever it happens with me or to see it happening with someone else, in life or on paper. Just keep writing, your words are always lively and rich with refreshing discoveries :)
Hugs,
Maysoun Saadi
Mayo dearest,
ReplyDeleteThank you so much for the moral boost :) You were one of the first who kept telling me "keep your pen flowing" back then :) and you were the one who quoted "Once you're out of your door, the hardest part of the journey is behind you" :)) and i came to believe in this "out of the door" thing :) Thank you again :)
hugsssssssss
مع جزيل وافر احترامي
ReplyDeleteبس لي كام ملاحظة لو سمحتي لنا
""الشمس يومها كانت كريمة معانا والجو كان ذوق. اتكلمنا كتير، وعيطنا، وحضنّا بعض، وشربنا عصير قصب. ""
مع تحفظي على الأحضان، مش مكانه، بس حاسس إن جملة "شربنا عصير قصب" كسرت الخط اللي القصة كانت ماشية عليه - يعني خرجتني من الجو العام!!
كوني من اسكندرية يمكن منعكس على تفكيري، بس أنا عمري ما عترت على مكان بيبيع صواريخ، البوليس كان بياخدهم أول بأول عشان الحبايب... وعمري ما قابلت حد بيوزع صواريخ في الشارع...
سؤال خبيث، هل هناك أي علاقة بين هذه القصة وبين قصة ابن لادن؟؟
جو نو سية با بور كوا، بس قصة ضرب تامر على وشه كانت أحلى كتير!!!
كل سنة وأنتم طيبين
إذا كان للأدب وظيفة فأنا أؤمن إنها مساعدتنا على فهم وتقبل الآخر كما هو بدون محاولة تغييره وقص أطرافه ليلائم قوالبنا الفكرية سابقة التجهيز
ReplyDeleteتحياتي :)
محدش قالك تحضن يا شبايك يا حبيبي :)
ReplyDeleteامممممممممم
ReplyDeleteانا متفق مع shabayek اللى قال ان القصة بتاعت ضرب تامر على وشه كانت احسن
بس بجد انتى الان بالنسبة لي نمبر وان في المدونات بكسر الميم وفتحها
انا كان نفسي اعمل مدونة بس للاسف مش لاقى حد يعلمني كمان معتقدش انها في يوم من اليام هتبقى زي مدونتك الرائعة دي
وان ببعتلك ايميلات كتير بس كاني بدن في مالطة
ويجعله عامر يارب
صحيح بالنسبة للفكرة الجديدة بتاعت سماع الحدوتة مش عارف محدش علق عليها ليه
ReplyDeleteمع انها جميلة جدا وجديدة بس بصراحة مشدتنيش لاني بحب اسمع القصة من بق عقلى ومن احساسي مش من احساس حد تاني مع كامل الاحترام للاخت سامية
بس بجد بحيكي تناي وتالت مرة على المجهود الجبار في تربية احساسي تربية سليمة
القصة فى منتهى الرقة و المشاعر القوية تفاصيلها اجمل ما فيها ومعبرة جدا
ReplyDeleteاللقطات اللى انت حطاها ورا بعض بتختصرى بيها وصفلك للبنى ادم ده رائعة
تانى شئ فكرة انها تتسجل بالصوت فكرة هايلة وتحفة ومبدعة
تالت شئ .. احسنتى اختيار المؤدى بالصوت
صوت سامية جميل اوى
و تكنيك عمرو انه يطلع الصوت بيوور كده فى منتهى الروعة
انا بسجل اعجابى الشديد بالثلاثى فى شكله الجديد
تحياتى :)
elstory to7fa bgd..2srt fya moot..fr7t w hya btftkr el7zat el7lwa el2dema eli kant m3h w z3lt enha 5lst w b3deen fr7t b2n elbtla 2drt tb2a strong w 2drt tfrd gn7ha mn tany w mshya btm7e kol zakra mde2ha w btseeb bdlha 7agat ama t3od m3 nfsha t7b tftkrha..bgd to7fa w wsfk leltfseel to7fa
ReplyDeleteI don't know what to say ya berry! bas elpost da 3awwarni! laken gaii fi wa2tu tamam! If I dare to claim an apology, then let it be a practical one, promise me another post that talks about mending a broken heart! I won't say that I didn't have tears while listening to Samia's voice reading, because I know you won't believe.
ReplyDeleteالسلام عليكم و رحمة الله و بركاتة
ReplyDeleteاعذريني ان علقت علي القصة مباشرة ...
القصة جميلة فعلا . و لم يسعفني الحظ لاقرأها بالانجليزية و لكن المعني واحد :)
فكرة ان اتذكر ما حدث لي يعينني علي ما اواجهه الان منعشة للنفس ... لانها تبدل اللحظة القديمة بأخري جديدة , ثم انها ترمز بشكل او بأخر الي التحرر ...فها هي عادت دون صديقها القديم و تحكي له علي انها فعلت ما كانت تريد هي دون قيود منه ...فكرة انه ربما لفترة من الفترات انتصر العقل علي القلب حينما كانت هي معه ( اختارتة بعقلها لان قلبها لم يكن سعيد ولانه لابد ان تكون كذلك ) و لكن انتصر القلب في النهاية في انها تقول له بعد ان اصبح ذكري انها فعلت ما كانت تريد ان تفعل ... و كان هو يقيدها بقيد العقل ...
الانتصار لمزيج من هذا و ذاك .. فلا يستطيع احدهما العيش بمفردة . و لكن القحط في المشاعر يحيل الحياة الي الروتين و الصخور القاتلة ... و هذا ما اثبتته تجربةالصواريخ في الاول كان الناس قوالب ثم خرجوا من قوالبهم و استمتعوا بالحياة :)
تحياتي :)
كتابه صادقه و صوت جميل و لو ان الاداء كان عايز شوية احساس اكبر بالكلمات انا مش بقول ان الاداء الصوتى كان وحش بالعكس انا استمعت جدا بيه بس كان ممكن يكون اجمل و نقاء الصوت لا يعلا عليه
ReplyDeleteارجوكى سجلى حواديتك بالشكل ده على طول
على فكره دى اول مره ازور مدونتك و وضعتها فى المواقع المفضله عندى
انا مش عارفه اقولك ايه بس هايل يا رورو بجد هايل هايل هايل
ReplyDeleteتصورى ان القصه ديه اعطتنى امل جديد فى الحياه وصوت ساميه معبر جدا جدا وفعلا وصلنى الرساله اللى عاوزه تقوليهل فى قصتك فعلا "لا يأس مع الحياه"
برافوا يارورو
دودى عزيز اسم الشهره الجديد
متابع حضرتك من فترة . بيعجبني أسلوبك البريء .. المرة دي كانت مختلفة . أكتر حدوتة حسيتها . كنت بفكر في حاجة مضايقاني وهربت منها لاجل أتقلب بين المدونات .. وفتحت مدونتك البريئة . ربنا يحميكِ
ReplyDeleteRihab,
ReplyDeleteجميلة. لا تقاوم
the story is beautifully written and Samya's voice and narration is poetic.Loved it.
Oh, how I want to get my wings back and fly!
العزيزة رحـاب ، قصـة ، ومغامرة ، جديدة ، وجمـيـلة ، و قد إيه كان أداء ( سامية ) للقصـة راااائع ، أفتكر إني من شهرين ، تلاثة فاتوا عديت على مدونتك دي ، و عجبتني الفكـرة جدًا جدًا ... جدًا ( أي والله )..
ReplyDeleteمن زمان ، و أنا بفكر إني كتب قصـة بالعاميـة ، مش عارف ( سدنة الفصحى ) هيزعقوا ف وشي قد إيه !!
بس حاسسها زي الشعر العامية ، بيوصل للقلوب بطريقة أسهل ، و إحساس أصدق !!
حقيقي شــكرًا
وياريت تبقي تعرفيني حطيتي لينك التسجيل الصوتي إزاي ف المدونة ، لأني محتاج أعمل حاجات زي كده ف مدونتي
اللي ياريت تشرفينين ، و تشوفيـها
إبراهيم عادل
ibnzaydoooon@hotmail.com
This comment has been removed by the author.
ReplyDeleteقد إيه أنا مبسوط بيكي
ReplyDeleteإنتي شبهي و شبه ناس كتير بحبها
في الحقيقة اسلوبك غاية في الروعه و الجمال كل التحيه و التقدير مع خالص تمنياتي لكي بكل توفيق و نجاح يا بنت بلدي الجميله ........
ReplyDelete( عاشق مصر )
I know this is an old post of yours... but I don't know why it's one of the things that are always on my mind. And it has been haunting me heavily lately... mesh 3arfa leih!
ReplyDeleteJust thought of telling you that your writings are not just nice-to-read lines that would be forgotton a few mins later. Some are REALLY unfortgetable :)
Mermaid
Rehab,
ReplyDeleteI know you for long time
I think we never met or talk but we have a common link Hala Hattab
I am following your late news
CONGRATULATIONS
all the best
الف شكر يا رحاب على حواديتك الجميلة كمان مرسى جدا سامية على الصوت الحلو و عمرو على الاعداد الجيد و ربنا يوفقك.انا هالة من الغردقة.
ReplyDeleteالف شكر يا رحاب على حواديتك الجميلة كمان مرسى جدا سامية على الصوت الحلو و عمرو على الاعداد الجيد و ربنا يوفقك.انا هالة من الغردقة.
ReplyDeleteمش عارفه إزاي صادفت البلوج ده
ReplyDeleteلكن بعد ما قريت القصه كنت نفسي أصرخ بصوت عالي
أو يعني مش أصرخ .. أطلع أه جامده من قلبي
... ما شاء الله ربنا يحميكي ويوفقك
كل مرة بقراكي فيها كأني بعرفك لول مرة
ReplyDeleteعجبتني قوي
جدا
عجبتني نك تاخدس خطوة جديدة تمحي بيها القديمة
نفسي اعمل كده
مش بقولك
بتخرجني من نفسي
دلوقتي انا رحت الحتة الشمس وقعدت على البحر
وفرقعت الصواريخ
انا خرجت من نفسي اللي من غير ماضي أو ذكريات
لنفس تانية مش انا
بس مفرحاني جدا
جميلة أوي القصة دي :)
ReplyDelete