Friday, January 21, 2005
مراسلات الوز العايم
خطوات جديدة
أفتح الباب، وأخرج، ناويه أخطّي خطوات جديدة.
أتعشيت في المطعم اللي كنا بنحبه. فاكر؟ كوكتيل الجمبري وشوربة البصل على الطريقة الفرنسية. كنا شيك أوي إحنا، مش كده؟ إحنا كنا فاكرين إيه؟ المطبخ الفرنساوي هيبقى طعمه زي الأكل الفرنساوي؟ شوربة البصل في الزمالك هاتجيب الحي اللاتينى من باريس لحد عندنا؟ معدتي بتقلب لما بأفتكر. المرة دي بقى أخدت كل أولاد عمتي الصغيرين. التسع عيال. قعدوا ياكلوا ويرغوا ويزنوا على الجرسونات، وطلبوا صودا أد كده، واتخانقوا وهم بيختاروا أطباق مش عارفين ينطقوا اسمها أصلاً. أنا بأفكر إزاي؟ أنا هآخد شوربة البصل بتاعتي! مايهمنيش شربناها كام مرة سوا، ولايهمني أد إيه كنا فاكرين نفسنا شيك وكلاس وبنفهم. دي شوربة البصل دوا للنفس العليلة! أصلاً شوربة البصل دي روح المطبخ الفرنساوي! طلبتها لينا كلنا. العيال حبوها خالص! فكرة العيش اللي عليه جبنة سايحة وغطسان في الشوربة جديدة عليهم تماماً ومذهلة جداً لدرجة إنهم قعدوا ساكتين طول ما هم بيشربوها. ربنا يحميهم: بخدودهم المورّدة، وصوتهم العالي، وضحكهم اللي طالع من القلب. وبعد الأكل حضنوني وباسوني ووشوشهم غرقانة كاتشب. كل ما هأدخل المطعم ده بعد كده هأفتكر إزاي مريم، بنت عمتي اللي عندها ثلاث سنين وأقرب واحدة لقلبي، قامت فجأة واتسحبت من جنبي، وراحت عند ترابيزة جنبنا، بصت للراجل اللي قاعد عليها باحتقار وزمت بقها وضيقت عينيها وزعقت فيه بصوت عالي جداً: "أنت...غبي!!" الصراحة يعني الراجل كان شبه راغب علامة في الفيديو كليب الأخير ولكن ده مش معناه يعني أنه يتشتم! لكن برضه: مريم أكيد كان عندها أسبابها. أن واثقة في فطرتها. شربت شوربة جديدة علشان أمحي مرارة قديمة.
طلعت الجبل الرائع اللي شفنا من فوقه الغروب يجي مئة مرة. أخترت يوم شتوي مثالي: شمس ودفا مع هوا ساقع كده ع الخفيف، علشان أمحي اليوم التاني اللي كان كله غيم وكآبة، لما كان نفسي تحضن إيديا وكنت أنت عاوزني أخبطك بحاجة تقيلة. كان مفروض أفهم يومها. كان مفروض أشوف العقل القاسي بدل ما أحلم بالقلب الحنين. كان مفروض أعرف مين اللي له الكلمة الأخيرة: العقل وإلا القلب. المرة دي، اليوم الشمس، أخدت بنت خالي وأخويا. هما الاتنين جايين من أماكن برد، والشمس كويسة ليهم. الشمس دايماً كويسة لينا. ساعات بأحس بالشمس داخلة على قلبي عِدل. أنا كنت عاوزاهم يخزنوا شوية شمس في قلبهم علشان الأيام المغيمة اللي جاية. الشمس يومها كانت كريمة معانا والجو كان ذوق. اتكلمنا كتير، وعيطنا، وحضنّا بعض، وشربنا عصير قصب. حسينا بعد كده إن كل حاجة مهما كانت وحشة هتعدي. دلوقتي كل ما أفتكر الجبل ده أفتكر اليوم الشمس ده. كل حاجة هتعدي طالما الشمس في قلبنا. كان لابد من غروب جديد ينسيني القديم.
مشيت في الشارع اللي مسكت فيه إيدي أول مرة وسألتني إذا كنت شايفة إني جميلة، إذا كنت حاسة إني لا أُقاوم. أشتريت صواريخ صغيرة كتير جداً، ورحت هناك ليلة العيد مع صاحباتي الاتنين وولعنا الصواريخ: أحمر...أصفر...أزرق...أخضر! أنا جـمـيـلـة! أنا فعلاً لا أُقاوم! قعدنا نضحك ونضحك، والناس اللي ماشية في الشارع يبصوا لنا باستنكار ويعوجوا بقهم ويكرمشوا مناخيرهم ويقولوا: توء توء، قمنا اديناهم شوية صورايخ، وفجأة الشارع بقى مهرجان من الألوان السعيدة. أنا بحب أوي لما الناس تفتح مخها لحظة بس وتسيب نفسها خالص. في رأيي اللي حصل لهم كان تغيير تام في الثوابت. روحنا مشي أنا والبنات. حسيت إني لأول مرة بأحس بالهواء على وشي. حسيت زي ما أكون النفس اللي باخده محدش خده قبل كده أبداً. زي ما يكون جسمي اكتشف التنفس. دلوقتي كل مرة أعدي في الشارع ده أبتسم ابتسامة كبيرة. صواريخ وألعاب نارية جديدة بدل النار القديمة. ألوان سعيدة. جميلة. لا تقاوم.
رحت الحتة اللي على النيل اللي كنا بنروحها في الشتا ونقعد نتشمس. رحت لوحدي. مش هتصدق! تصور كان في بنت قاعدة هناك بتعيط؟! فاكر البنت التانية اللي كانت برضه قاعدة هنا في نفس المكان بتعيط؟ فاكر إزاي قعدت تضحك عليها، وبعدين قعدت تضحك عليا لما قلت لك إني عاوزة أروح اتكلم معاها لأني حسيت إنها هترمي نفسها؟ أنا لسه مقتنعة إني كان ممكن أساعدها لو كنت سبتني. كان ممكن على الأقل أقول لها النكتة اللي بحبها! ولكن طبعاً أنت كالعادة مسكتني من جناحاتي وخلتنا نسيب المكان كله ونمشي. أنت طول عمرك ماكنتش بتحب تبقى حوالين أي حد زعلان أو حزين. مش الجو بتاعك ده. المرة دي قعدت لوحدي: منبهرة بالمنظر وبغبائي. كلامك لسه بيرن في ودني. لكن سامعة صوت عياطها ونهنهتها. قعدت بعيد عنها علشان ما أقاطعهاش في اللحظة الخاصة دي. أنا عارفة أد إيه مهم إن إحنا نشفق على نفسنا. محتاجين ده من وقت للتاني. محتاجينه من نفسنا علشان مانروحش ندور عليه بره. بعد شوية رحت لها. طبطبت على كتفها بصت لي. بصت بعينين طيبة. قلت لها إني آسفة على اللي حصل وزعلها كده، وقلت لها إني متأكدة إنها أكيد هتبقى أحسن. بدأت تعيط تاني، قمت أنا معيطة. قعدت أطبطب على إيدها: الحركة العصبية بتاعتي اللي بحاول بها إني أريح القلوب المعذبة. إديتها لبانة وقعدنا ناكل اللبان وإحنا ساكتين. قلت لها النكتة اللي بحبها وقعدت تضحك وتعيط، وتعيط وتضحك. ضحك جديد علشان يبعد كل القديم. المكان ده دايماً هيفضل "الحتة الشمس" بالنسبة لي. سلمت عليها ومشيت وأنا حاسة إني إنسانة أفضل، وحاسة إني فخورة بنفسي. أنا مبسوطة أوي علشان جناحاتي رجعت لي.
هأقفل الباب وأمشي لبعيد، هآخد خطوات جديدة تمسح القديمة... دلوقتي بس أقدر أمشي من تاني.
(كتبت هذه القصة بالإنجليزية في ديسمبر 2002)
Saturday, January 15, 2005
كله إلا الكذب
السبت صباحاً. مقهى آخر.
تجلس بجواري فتاتان تتحدثان بصوت عالٍ جداً رغم صغر المكان. تتحدثان عن عملهما وعدم رضاؤهما عن مديرهما ومعالجته لأمور العمل. تتبادلان أخبار زملاء العمل وتعلقان على تصرفات الكل. الأولى لديها شعر طويل وتلبس خاتم ذهبي كبير جداً، والثانية تحاول أن تبدي اهتمام بما تقوله الأولى ولكن عقلها في مكان آخر فتبتسم بين العبارات ابتسامة مفتعلة.
بعد مرور ساعة تصمتان للحظة وتلاحظان وجودي فتقول ذات الشعر الطويل: "إحنا عاملين لك دوشة؟"
أبتسم وأوميء بالإيجاب.
تقول الأخرى: "يا حرام وإنتي قاعدة بتذاكري! إنتي بتذاكري سنة كام؟"
أبتسم وأقول إنني تخرجت من الكلية منذ ست سنوات. تضحكان بإحراج (لأن ذلك يعني أنني في مثل سنهم).
تقول ذات الشعر الطويل: "وبتكتبي إيه امال؟"
"أبداً. كل كلمة بتقولوها"
تضحكان فعلاً هذه المرة.
رائع: الحقيقة تحررنا فعلاً!
Tuesday, January 11, 2005
عندما أكتب
عندما أكتب أكون كالأم التي تصطحب طفلها لروضة الأطفال في أول يوم له هناك: أخاف عليه، وأتساءل ما إذا كان سينسجم مع باقي الأطفال، هل سيكونون ودودين معه؟ أم سيتنمروا عليه؟ هل سيعود من المدرسة مرحاً وكله ثقة وتشوق للذهاب للروضة في اليوم التالي؟ أم سيعود باكياً ومقسماً ألا يكمل تعليمه ومقرراً أن يهرب وينضم لقبائل الغجر ليرقص ويغني طيلة حياته؟
عندما أكتب أكون خائفة. فعلاً.