Saturday, May 28, 2005

الأول من يونيو 2005 - يوم الحداد



Image hosted by Photobucket.com


مصر كلها سترتدي السواد الأربعاء 1 يونيو 2005، حداداً على ما ارتكب في حق نساء مصر يوم 25 مايو 2005 من قبل مرتزقة الحزب الوطني تحت مرأى ومسمع الشرطة

تطالب رابطة الأمهات المصريات بمطلب واحد عادل: استقالة وزير الداخلية

يمكنكم قراءة المزيد
هنا وعند علاء وعلياء ورامي

وهذا رد المتحدث باسم رئاسة الجمهورية

شكراً لألف على لافتة الحداد

تحديث بتاريخ 29 مايو: أفكار لتنظيم أفضل عند تواصل ومن القاهرة وواحدة مصرية

تحديث بتاريخ 31 مايو: غداً الأربعاء اعتصام بنقابة الصحفيين الساعة الواحدة ظهراً تضامناً مع رابطة الأمهات المصريات وكل من تعرض للأذى يوم الأربعاء الأسود

وخمس منظمات حقوقية تتضامن مع الدعوة إلى يوم الحداد الوطني

ووثيقة تضم شهادات لبعض ممن حضروا مظاهرات الأربعاء الأسود

تحديث بتاريخ 1 يونيو: نقلاً عن محمد: حسب موقع العربية ، فان من بدأت الدعوة للحداد هي هبة رؤوف عزت

Thursday, May 26, 2005

عناوين الصحف


أنزل الدرج مسرعة. فرصتي الوحيدة لتفقد عناوين الصحف هي تلك الثواني التي يستغرقها نزولي الدرج. أقرأ العناوين من الصحف الملقاة أمام أبواب جيراننا في الطوابق الأربعة. لدينا جار وفدي، وآخر ناصري، وآخر يفضل الأخبار على الأهرام، وجار طبيعي يقرأ الأهرام. ‏

أمام باب جاري الناصري وجدت العربي مقلوبة على ظهرها فأكملت نزولي. أمام باب جاري الأخباري قرأت بالبنط الأحمر العريض: "جماهير الشعب قالت كلمتها في الاستفتاء – مشاركة شعبية كبيرة في الاستفتاء علي تعديل المادة ‏76‏ من الدستور شملت كل المحافظات – الاستجابة الجماهيرية أسقطت دعوة بعض أحزاب المعارضة للمقاطعة". أمام باب جاري الأهرامي قرأت: " الشعب يرد بقوة على المطالبين بالمقاطعة وعدم أداء الواجب الوطني". أمام باب جاري الوفدي قرأت: "فضيحة الاستفتاء" وحسب، بعد الصفحة الأولى السوداء التي لاحظتها أمس حداداً على "نكسة 76" على حد تعبيرهم.‏

في الطريق استمعت إلى جاهين يلقي "على اسم مصر" محاولة أن أفك معانيها. اكتشفت إنني لا أفهم الجزء الخاص بحتحور المنتقمة الدموية الحانية. ‏

أصل إلى البناية التي أعمل بها. في المصعد يجلس عامل المصعد على مقعد صغير منكباً على صحيفة أخبار الحوادث ويقرأ باهتمام مقال عنوانه: "اعترافات: طالبة الدبلوم فتاة ليل محترفة".‏

Tuesday, May 10, 2005

من دفتر مذكرات أمي


الثلاثاء – العاشر من مايو 1977 – الثاني والعشرون من جمادى الأولى 1397

وُلدت "رحاب" الساعة التاسعة صباحاً في منزلنا بغمرة. كان لرحاب وقع جميل ورائع على كل من في البيت: ماما – أختي – بسام – بابا – أخي. تعبت شوية ولكن كل الآلام تبخرت بمجرد رؤية رحاب.


كل سنة وإنتي طيبة يا ماما. تعبتي كتير أنا عارفه...لكن يا رب أقدر دايماً أخلي كل الآلام تتبخر كده.

Saturday, May 07, 2005

أصحابي الخياليين


حسناً. الموضوع يستحق الاحتفال، فلقد انتهيت من كتاب استعمار مصر لتيموثي ميتشل! الكتاب أكثر من رائع وأتمنى أن أتمكن في يوم من الأيام أن اكتب ملخص عنه. أراجع التاريخ الذي بدأت فيه قراءة الكتاب فأجد أنني بدأته في نوفمبر 2004. آه ياني...آه من الحيل التي يمارسها الإنسان على نفسه (الدنيا حر، الدنيا برد، الدنيا صبح، الدنيا ليل، ماليش مزاج، مش في الموود، زهقانة، مكتئبة، طيب أخلص الغسيل، طيب أخلص ترويق الدولاب، طيب اطلع الشنطة دي من تحت السرير وأشوف فيها إيه، إيه ده...ده فيها ورق قديم أوي...طيب هاشوف إيه الورق ده وهاذاكر على طول، طب اسمع الأغنية دي، الله...ده أنا كان نفسي ومنى عيني أشوف الفيلم ده، يووووه...الدنيا حر!)و

راجعت دفتر مذكراتي فاكتشفت إني خلال تلك الشهور الست نفسها قرأت ما يقرب من العشرين كتاباً. طيب اشمعنى دول يعني اللي الدنيا بتيجي عندهم ومش بتبقى حر؟

القراءة بالنسبة لي ولع يتمكن مني فاقرأ في أي وكل مكان واحمل معي كتاب في حقيبتي وغيره في سيارتي دائماً (يمكن ألاقي وقت). وعندما أسافر، وحتى إذا كان السفر ليومين، دائماً ما احمل كتب لا ولن اقرأها في هذه المدة (بس يمكن وأنا هناك يبقى نفسي اقرا الكتاب ده بالذات!). اقرأ كأني ابحث عن شيء. اقرأ كأني اهرب من شيء

بالرغم من لساني اللاذع وقوة ملاحظتي وقراءاتي ودراستي إلا إنني لا أجيد النقد الأدبي. كل ما أستطيع أان أقوله عن كتاب أو آخر هو ما إذا كنت أحببته أم لا. سأحاول في السطور التالية القيام بأول نقد أدبي لكتاب في حياتي. أنا ضد "حرق" الحبكة أو القصة لأحد لذلك سأشارككم انطباعاتي فقط عن تلك الكتب


كتاب العام بالنسبة لي سيكون العطر لباتريك ساسكيند. بالرغم من أن ما زال هناك سبعة أشهر على انتهاء العام ولكني متأكدة أنه لن يستحوذ عليّ كتاب هذا العام كما فعل "العطر". فكرة الكتاب نفسها في منتهى الروعة: فكرة جديدة وأصلية ستجعلك تفتش في ذاكرتك عن الروائح والعطور المختلفة التي أثرت في حياتك. هذا الكتاب سيجعلك "تشم" أكثر. قرأته بالإنجليزية ولكن أصدقائي أعجبتهم الترجمة العربية

أعدت قراءة في عين الشمس لأهداف سويف. أحب هذه الرواية جداً واعترف أن لأهداف دور في اتجاهي للكتابة. سعدت لأني وجدت الرواية جميلة كما أتذكرها. أسلوب أهداف يستحضر الأشخاص والأماكن والمزاج أمامك فلا يكون بيدك حيلة إلا الاستغراق في هذا العالم. تعاطفت مع البطلة ولكن في كثير من الأحيان أردت أن اركلها لتفيق

قرأت افروديت لإيزابيل الليندي. تتكلم فيه إيزابيل بأسلوبها الآسر عن حب الطعام وطعام الحب. لا تبخل علينا إيزابيل بوصفات الطعام أو بالحكايات. كتاب يجعلك تريد أن تلتهم الطعام مع من تحب، أو تلتهم من تحب، أو تحب ما تلتهم. من الآخر...ستجد نفسك تمضغ الطعام ببطء وتحاول أن تستمتع بمذاقه لأطول وقت ممكن، وستجد نفسك لا تريد أن تفعل شيئاً سوى استيعاب ملامح من تحب لتتمتع بها لأطول وقت ممكن. وإذا كانت إحدى هواياتك تناول الطعام عامة والحلويات بشكل خاص فهذا الكتاب سيتسبب لك في خسارة مادية وامتلاء معوي والكثير من الأحاسيس "اللذيذة". ذكرني هذا الكتاب بآخر جميل جداً للورا اسكيفال اسمه مثل الماء للشوكولاتة وكتاب شوكولا لجوان هاريس

يعتبر يأكل ويضرب ويرحل (أو يأكل الأغصان وأوراق الشجر) من أمتع الكتب التي قرأتها عن علامات التنقيط. آه والله...كتاب بالكامل عن علامات التنقيط في اللغة الإنجليزية واستعمالها وتاريخها. تتمتع الكاتبة بحس فكاهي يجعل من الكتاب متعة لكل من ينزعج من الأخطاء الإملائية ويتمنى أن يجوب الشوارع بقلم أسود سميك ليصحح كل الأخطاء التي تؤذي العين والنفس اللغوية

وفي إحدى ليالي الشتاء الباردة لملمت كل الأغطية حولي وقرأت سيدات ميسالونجي لكولين ماكوليج. قرأت هذا الكتاب ست مرات حتى الآن منذ أن أرسلته لي زوجة خالي عام 1994 من كندا. القصة تحثك على الحلم وعلى السعي وراء هذا الحلم بكل ما أوتيت من إصرار. اعتبر "ميسي" بطلة القصة من الأرواح الصديقة

وفي إجازة العيد الصغير قرأت شفرة دافينشي. داهمني الليل وأنا أقرأها في السيارة في طريق العودة من بورسعيد فما كان مني إلا إنني أخرجت مصباح كشاف صغير وأكملت قراءتها حتى أنهيتها. بين الوقت والآخر ينظر أبي للخلف ليعرف لماذا لا أغني معه فيراني منكبة على الكتاب فلا يعلق. لم أقرأ على ضوء الكشاف منذ أن كنت طفلة صغيرة عليها أن تنام لتستيقظ مبكرة للمدرسة ولكن لديها واجب مقدس تجاه الحودايت يتمثل في الانتهاء من قراءة قصة ما. الكتاب به معلومات غزيرة (بغض النظر عن صحتها من عدمه) وشيق جداً رغم أن به العديد من الثغرات في الحبكة. في بعض المشاهد تتوقف الأحداث ويسرد البطل شيئاً لمدة عشر صفحات مثلاً، كل ذلك وهناك شخص يصعد السلم بمسدس ليقتل البطل! وهناك أجزاء في القصة "هندية" بعض الشيء ولكن كل ذلك لم يحد من استمتاعي بها

أعدت قراءة الأمير الصغير بالإنجليزية هذه المرة. هل أنا بحاجة لأن أتحدث عن الأمير الصغير؟ لا أظن

بعد إلحاح من ابن خالتي اقترضت منه قصة الوصيفة لمارجريت آتوود وبعد مزيد من الإلحاح قرأتها. كنت دائماً أريد أن اقرأ لمارجريت بعد أن عرفت من ابنة خالي إنها كاتبتها المفضلة وبعد أن مدح أخي كثيراً في قصائدها. القصة تدور في المستقبل حيث تستشف الكاتبة من أحداث الحاضر سيناريو مرعب للمستقبل بأسلوب سرد ممتع للغاية. إذا قبلنا بعض الأوضاع الآن، ماذا سيكون الحال عليه بعد ربع قرن؟ (مش بيفكرنا بحاجة الكلام ده؟)و

قرأت قطار الصعيد ليوسف القعيد لأتمكن من حضور مناقشة لهذه الرواية معه، فأنا أكره أن اذهب لمثل هذه المناقشات بدون قراءة الكتاب أولاً. حتى الآن لا أعرف لماذا لم تعجبني القصة ولم تترك بي أي أثر أو رد فعل. عندما ذهبت للمناقشة استغربت جداً من آرائه التقليدية عن المرأة. لم أدون أي ملاحظات أثناء المناقشة. لم يقل شيئاً رسخ بذهني

لأن صديق لي يحب نورا أمين جداً بحثت عن كتبها ولم أجد سوى "طرقات محدبة" حينها. أسلوبها في بعض قصص هذه المجموعة القصصية جديد ومختلف. لم أفهم كل القصص ولكن تلك التي فهمتها عجبتني. تميل أحياناً نورا للحداثة المفرطة وأنا مخي على قدي

قرأت "وجوه نيويورك" لحسام فخر كملف على الكمبيوتر قبل طباعتها بفترة لذلك عندما صدرت في الصيف الماضي بدأتها ولم أعود إليها مرة أخرى إلا في الشتاء. كلما وجدت نفسي في موقف غريب مع أناس أغرب تتردد في ذهني جملة لحسام في إحدى قصصه: "أين ذلك المغناطيس الكامن في أعماقي الذي يجذب المجانين إِلَى ويرميني في طريقهم دوماً؟" أحببت القصص جداً (ولكني أحببتها أكثر عندما قرأتها سامية لي أول مرة من على الكمبيوتر. سامية أنا بس عاوزة أفكرك إنك لسه ما خلصتليش كونديرا!)و

من عاداتي السيئة في القراءة هي إنني إذا أحببت كاتباً أو كاتبة قرأت كل أعماله "ورا بعض". بحثت كثيراً عن أي شيء للطيفة الزيات فلم أجد حينها غير الشيخوخة وقصص أخرى. ثم حالفني الحظ (بعد نداء توجهت به لإحدى المجموعات البريدية الإلكترونية المهتمة بالثقافة أسأل فيه إذا كان لدى أحد أي شيء للطيفة الزيات) وتعرفت على صديقة جديدة ذات روح جميلة جداً أعارتني "الباب المفتوح" و"حملة تفتيش – أوراق شخصية". لن تستطيع أن تقرأ لطيفة الزيات بدون أن تشعر بالإنسانة وراء القصص. بعد صفحات قليلة عرفت أن لطيفة روح صديقة

وأخيراً تمكنت من قراءة ساحر الصحراء لباولو كويلو التي ترجمها بهاء طاهر. كنت قد قرأتها بالإنجليزية منذ عامين مثلاً ولكني كنت متشوقة لقراءة ترجمة بهاء طاهر. لن أتكلم عن هذه القصة كثيراً لأنه يبدو لي أن الجميع يحبونها ويتوحدون معها. في رأيي الشخصي فيرونيكا تقرر أن تموت هي من أحلى قصص كويلو وأكثرها نضجاً. الفكرة العامة لـ"ساحر الصحراء" جميلة ولكن الأسلوب بسيط أكثر من اللازم. في تصديره للقصة يقول بهاء طاهر إنها ترقى لمكانة "الأمير الصغير" والنبي ولكني أختلف بشدة معه في هذه النقطة. يعني...فكرة روح العالم والاستماع للقلب وكل ذلك أفكار جميلة، ولكن اعتراضي على تكراره للدرس في كل صفحة في القصة: روح العالم روح العالم روح العالم...لحد ما طلعت روح العالم (على رأي صديق لي). و

وأعدت قراءة أنا وجدتي وايليكو وايلاريون لنودار دومبادزة الصادرة عن دار رادوغا. هل قرأ أحد هذه القصة من قبل؟ وجدت أن أول مرة قرأتها كان عام 1995 ومازلت أضحك من قلبي في نفس المواقف وابكي عند نفس المواقف رغم أن هذه هي القراءة الخامسة لها!و

وبعد بداية العام بقليل تلقيت هدية جميلة جداً: أليس في بلاد العجائب وعبر المرآة...الطبعة المصورة! إذا لم تكن قد قرأت أليس حتى الآن...مستني إيه؟؟ قضيت وقتي ما بين قراءتها وتلوين الصور. جاهدت مع نفسي لأقرأ القصة بالترتيب وألا أقرأ أجزائي المفضلة أولاً. الكتاب يبدو أحلى بعد تلوينه

وفي معرض الكتاب وجدت أخيراً قميص وردي فارغ لنورا أمين وفهمت لماذا يحبها صديقي. أسلوب السرد وبنية القصة نفسها جديد (بالنسبة لي على الأقل). بعد أن انتهيت منها أحسست إنني بحاجة لأن ابدأها مرة أخرى لاستوعبها بشكل أفضل. في كتابات نورا هناك حزن وألم ورغبة في تخطي كل ذلك

وفي إحدى زياراتي لمكتبة ديوان وجدت مسرحية "اللعب في الدماغ" لخالد الصاوي مطبوعة ومرفقة بشريط مسجل للأغاني. شاهدت هذه المسرحية ثلاث مرات (منهم مرة كان وجهي متورماً تماماً بعد خلع جميع ضروس العقل) والرابعة كانت في الإسكندرية. يطلق عليها البعض تسمية "الكباريه السياسي" بقصد التقليل منها، ولكنها أعجبتني وأضحكتني جداً. كما أن الأغاني والعديد من الإفيهات دخلت في قاموس كلماتنا أنا وأصدقائي

وآخر ما قرأت قصة "قنطرة الذي كفر" لمحمد مصطفى مشرفة (شقيق العالم الكبير). لم أجد أي موقع لهذا الكتاب للأسف. القصة مكتوبة باللغة العامية المصرية (أول قصة اقرأها بالعامية. أعرف إن "لبن العصفور" ليوسف القعيد بالعامية أيضاً ولكني لم أقرأها بعد). تعتمد القصة في سردها على أسلوب تيار الوعي والتداعي الحر: فقصة تسلمك لقصة تسلمك لأخرى بدون أن يكون هناك ترابط بينهم وبدون أن ينقص ذلك من سحرهم. النهاية ضعيفة إلى حد ما (ومستعجلة) ولكن القصة ككل أعجبتني. جدير بالذكر أن في عرض "حلاوة الدنيا" الذي عرضته فرقة الورشة الشهر الماضي على مسرح الجمهورية كان هناك مشهد مأخوذ من هذه القصة

اعتراف: كتابتي لكل هذا هو هروب من كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد الذي يتأملني من فوق مكتبي وينتظرني بصبر يكاد أن ينفذ

بعد قراءة ثانية لما كتبت الآن أنا سعيدة لأنني لم اتجه للنقد الأدبي

سؤال يحيرني: لماذا أعدت قراءة العديد من كتبي المفضلة الفترة السابقة؟ هل افتقدت أشخاص بعينهم؟ أحاسيس معينة؟ حالة مزاجية معينة؟ أغلب القصص التي أعدت قراءتها مرتبطة عندي بالطفولة وأيام يسير فيها الوقت ببطء فاستمتع بالأشياء لوقت أطول، قصص ارتبطت عندي بوقت ما قبل الغروب والصباحات المبكرة الهادئة

"تعلق صديقة لي على نهمي في القراءة فتقول: "خليكي إنتي مع أصحابك الخياليين

Thursday, April 14, 2005

رحـيـل




سترحل. لأول مرة خلال الشهر الماضي تصدمها هذه الكلمة: سترحل. في خضم كل الترتيبات والتجهيزات، الحجز وتأكيد الحجز، التسوق وإعداد الحقائب…فقدت إحساسها بالرحيل. والآن أدركت حقيقة الوضع: سترحل. بالرغم من كونه أمراً متوقعاً إلا أن إدراكها له في هذه اللحظة فاجأها. إنها—فعلاً—سترحل. ‏

تنظر حولها متفقدة المكان بدون أن ترى. تسقط عيناها على اللوحة التي صنعتها بنفسها والتي تحتل حائط بأكمله من غرفتها الصغيرة. تمتلئ اللوحة بالصور والقصاصات والأقوال المأثورة وتشكيلة متنوعة من الأشياء التافهة التي ارتبطت بالتفاصيل الحميمة لحياتها. كل ما هو بسيط ولكن رائع. تجذب انتباهها قصاصة من الورق: "يندفع المغفلون حيثما تخشى الملائكة أن تطأ المكان"*. تهز رأسها وتدمدم لنفسها: "أحسن من قراية الكف!" اعتادت منذ أن بدأت في تجميع هذه اللوحة على أن تختار كل يوم قول مأثور من القصاصات المتناثرة على اللوحة لتتأمل فيه طوال اليوم أو تأخذه كشعار لليوم حتى. واليوم...؟ هل يندفع المغفلون حقاً حيثما تخشى الملائكة أن تطأ المكان؟ وهي...؟ هل هي مندفعة في الاتجاه الخاطئ؟ أو—أسوأ—أهي مندفعة لأنها تخشى أن تطأ الطريق الصحيح؟ والأهم من كل ذلك: أمغفلة هي...أم ملاك مغضوب عليه؟‏

تبدأ في إعداد قائمة لترتيب الحقيبة لأن هذه المرة إذا نَست شيئاً لن تتمكن من العودة لاسترجاعه. تحاول أن تركز في القائمة لتأخذ عقلها بعيداً عن أفكار الوداع التي تطاردها ولتؤخر حزم الحقائب قدر الإمكان. ‏

تفكر: حزم الحقائب...ويأخذ عقلها منحنى آخر. كيف ستحزم حقائبها؟ كيف يمكنها أن تلملم عمرها في حقيبة؟ ما الذي ستأخذه وما الذي ستتركه؟ ما المهم وما ليس ذو أهمية؟ ما الثقيل وما الخفيف؟ ما الذي يمكنها أن تأخذه وهي مطمئنة إلى إن النظر إليه لن يفطر قلبها وهي هناك؟ وما الذي يمكنها أن تتركه وهي مطمئنة إلى إن تذكره لن يفطر قلبها وهي هناك؟ وفي النهاية...ما الذي يعنيها فعلاً؟ هل عليها أن تحزم حقائبها استعداداً لفترة إقامة طويلة أم قصيرة؟ وكيف يمكنها أن تضع خطط طويلة الأجل وهي ليست متأكدة من مدى "طول" هذا الأجل؟ وهل الوطن هو فعلاً "وطن المحبوب"؟ الكثير والكثير من القرارات التي عليها أن تحسمها الليلة وكل ما ترغب فيه هو نزهة طويلة سيراً على الأقدام. ‏

عندما رحلت في المرة السابقة أقامت حفلة وداع لنفسها. تصرف متوقع منها تماماً! ولكن هذه المرة تتمنى لو كان بإمكانها الاختفاء وحسب. وهذا شيء آخر ينبغي عليها التفكير فيه: بمن ستتصل؟ على من ستمر؟ وخلف ظهور من ستتسلل؟ الهروب الكبير. لآخر مرة. يا رب!‏

....

أغسطس 1997

أمسية خانقة الرطوبة كعادة أمسيات أغسطس.‏

تقابلنا كلنا في المكان الذي نسهر فيه دائماً. إنه حفل وداعي وعيد ميلاده. يا للقسوة. أصوات...ضحكات...حفيف ورق الهدايا المزعج...موسيقى صاخبة...وصمت مدوي في أذني. اقفز من مقعد لآخر، اضحك هنا، أالقي بتعليق هناك، وأتقافز بين المواضيع والأشخاص. أتحاشى لقاء عيني بأي شخص أو البقاء لوقت أكثر من اللازم بجوار أي شخص. ‏

تنظر لي الصديقة ذات العيون الطيبة عن كثب وتمسك بيدي لتبقيني بجوارها: "إنتي مجنونة. إنتي عارفه إنك مجنونة. مش لازم تسافري. إزاي تعملي كده؟ إنتي ادامك كل حاجة..."‏

أقاطعها لأردد كلمات ديكنز مقلدة صوت عجوز حكيم: "...كان كل شيء أمامنا، كنا جميعاً متجهين مباشرة للجنة، كنا جميعاً متجهين مباشرة للاتجاه الآخر". **

"بطلي تهريج! كلميني هنا...أنا عارفه إن ماينفعش تغيري رأيك دلوقتي، لكن أنا محتاجه أفهم وإنتي بتجري بقالك شهر وبتلفي حوالين نفسك وبتتجنبيني. إديني سبب واحد مقنع".‏

اجلس في صمت.‏

"إنتي طول عمرك شخصية مقاتلة، لكن ليه دلوقتي أنا حاسة إنك سيبتي سلاحك؟"

يباغتني كلامها تماماً. لم أتخيل إن بصرها حاد لهذه الدرجة. انظر لها مصدومة، وبالتأكيد رأت الذعر في عيني لأنها احتضنت وجهي بين يديها وقالت: "أنا برضه عارفه إنك فكرتي في الخطوة دي كويس أوي، وإن—بطريقة مجنونة ولا منطقية وغبية جداً—إنتي عارفه إنتي بتعملي إيه". تبتسم وتقبلني وتترك يدي. اجلس بجوارها يملؤني بخواء رهيب ووهن مُعجز. ‏

أخيراً الملم بقايا شجاعتي واذهب لأجلس بجواره. ابتسم ابتسامة كبيرة لا تصل إلى عيوني القلقة.‏

يقول: "ها؟"‏

"ها أنت..."

يبتسم. "ها...مسافرة؟"‏
"أيوه...وأنت وافقوا لك على الهجرة"
"أيوه...وإنتي مسافرة..."
"أنت عارف بقى، أنت دايماً تقول إنك بتقرا الكف لكن عمرك ما عملت كده. أظن مافيش وقت أحسن من دلوقتي علشان تشوف لي بختي! أنا أكيد محتاجة أعرف إيه اللي مستخبي لي هناك"
"أكيد...مافيش وقت أحسن من دلوقتي. هاتي إيدك وتعالي هنا في النور"

يمسك بيدي ويتفقد خطوطها عن كثب. يقشعر بدني. ‏

"بردانة؟"
أقول "لا" بشفتي دون صوت، مدركة إن البرودة برودة الروح وليس الجسد. ‏

"خط الحياة عندك طويل. وخط الحب بيتقاطع مع خط الحياة بدري في حياتك. لكن هتحصل لك حادثة. اممممم...حادثة هتأثر على خط الحب وخط الحياة في نفس الوقت. وشايف نقطتين: يمكن يكونوا ساعتين، يومين، أسبوعين، أو سنتين. مش عارف دول إيه".‏

على غير عادتي اضحك بصوتٍ عال محاولة إبقاء الهيستريا على مسافة آمنة. "يعني من الآخر كده أنت بتقول إني مفروض أبعد عن الحب علشان أعيش حياة طويلة وأنا بصحتي وعلشان أتفادى أي حوادث غير مرغوب فيها؟ حضرتك بتقول إني هاحب فعلاً، زي ما حلمت طول عمري، لكني هاقضي باقي حياتي "القصيرة" أرملة مكسحة كسيرة الفؤاد؟ ده ماكانش تصوري عن حياتي خالص!" ‏

يثبت عيناه في عيني ولا يدعني انظر بعيداً: "لأ...اللي بأقوله إنك لو حبيتي لازم تبقي مستعدة إنك تدي حياتك فدا الحب ده".‏

ننظر لبعض في صمت للحظة ثم اسحب يدي من يده في ارتباك وأقول: "أنا مبسوطة إنك ما اخدتش قراية الكف كمصدر أكل عيش...كان زمانك مقضّي معظم وقتك بين السجون وعنابر الكسور في المستشفيات!" أبرز له لساني لأغيظه وأغمز بعيني. يضحك بلا مرح. أقوم من جواره واحلق بعيداً. ‏

نبدأ مراسم احتفالنا بعيد ميلاده ثم "الاحتفال" بسفري. الجو العام كوميدي جداً وشلة الأصدقاء مصممون على إنني لن أصمد هناك أكثر من شهر واحد. يهددونني بالقدوم إلى المطار لتوديعي مصطحبين مجموعة كبيرة من القلل ليكسروها بعد إقلاع طائرتي. اضحك بشدة وأقول: "ومين قال إني هأقول لكم على ميعاد سفري؟!" تُفزعه هذه الفكرة وينظر لي بتفحص، يحاول أن يكتشف أين تنتهي المزحة وتبدأ الحقيقة. تفشل محاولته وأرى يأسه يبدأ في الظهور على السطح. ‏

يسأل بهدوء: "راجعه امتى؟"‏
"امممم...بعد اتنين..."
"اتنين إيه؟!"
"ساعتين...يومين...أسبوعين—"
"ماشي ماشي...خلاص...كنت باهرج معاكي على النقطتين دول! محدش يعرف يهرج معاكي أبداً؟! ده إنتي قلبك أسود بشكل!"‏
اضحك ثم أقول بهدوء: "وأنت راجع امتى؟"‏
"معنديش أي فكرة..."
"هنفضل على اتصال؟"
"ما أظنش. على بال ما استقر هناك، وعلى بال ما تستقري إنتي هناك، هيبقى مافيش معنى إننا نكون على اتصال أصلاً".‏

أخيراً جاء وقت الرحيل: مصافحات، أحضان، قبلات، ثم ألوح للجميع وانحني في حركة وداع مسرحية ثم بصوت عال يجاهد ليظل مرحاً أقول: "أشوفكم بكره يا كتاكيت!" ‏

يمشي معي حتى الباب. نقف عند المدخل في صمت. يمد يده فآخذها. ‏

يقول: "هابقى أشوفِك لما أشوفِك بقى".‏
"هاشوفك لما أشوفك، لكن أنا عارفه إنه هيبقى مش بعد وقت طويل زي ما أنت متخيل".
أغمز بعيني، يبتسم، ابتسم وأدير له ظهري وامشي بثبات. استقل طائرتي في صباح اليوم التالي بلا خوف. ‏

.......

واليوم؟ كيف سيكون الوداع؟ لقد حرصت على ألا تبوح لأحد بموعد رحلتها الحقيقي. قررت أنها ستتصل بهم من المطار لتقول إنها كانت على قائمة الانتظار وأن حجزها قد تم تأكيده في آخر لحظة. تعرف أن ذلك سيكون تصرفاً قاسياً منها ولكنها تعرف أيضاً أنها ليست شجاعة كما كانت من قبل. كما تعرف أن هذه المرة "هتشوفهم لما هتشوفهم" لكن ليس قريباً كما يظنون. ولكنها معذورة: عليها أن تعتني بنفسها وهي تعرف أنها لن تقدر على الوداع هذه المرة. لم تعد صغيرة وبالتالي أصبحت تخاف الكثير من الأشياء. ‏

تلعن عقلها لأنه لا يتوقف عن الانسياق هنا وهناك حسبما تأخذه أفكارها. تُجبر نفسها على التركيز ولكنها تعرف أن كل محاولاتها للتفكير المنطقي الليلة ستبوء بالفشل فعقلها يدبر انقلاب. ليس هناك أحد يُلام على هذا سواها: فلقد دربت عقلها دوماً على ألا يطيعها. ‏

كلما حاولت أن تجهز حقيبتها كلما ازداد الأمر صعوبة: كل قصاصة ورقية، كل صورة، كل شيء على منضدتها أو مكتبها، كل شيء في دولابها...كل شيء...كل كل شيء يذكرها بأشياء أخرى ويفتح عليها أبواب تأخذها في دهاليز تعود منها أكثر ضياعاً. تقضي وقتاً أطول مما تخيلت في الترتيب، تتوقف عند هذا وذاك لتتذكر قصة أو ضحكة أو دمعة وراء كل شيء تختار أن تأخذه أو تتركه. والقصة تأخذها لأخرى...ثم لأخرى...وأخرى...تدور وتدور وتدور...طواحين عقلها قد أصابها الجنون. تقرر أن تترك ألبومات الصور. لا داع لأخذهم هذه المرة فهي لن تنظر فيهم. أبداً. ‏

تتصل بسائق الأجرة الذي تتعامل معه ليأخذها للمطار، وتنادي على حارس البناية ليأخذ حقائبها. تترك كل شيء على حاله. ستأتي أختها غداً لتنظف المكان وتغلق الشقة. أرادت أختها أن تقوم بذلك ولم تقاوم هي. لم ترغب في أن تغلق النوافذ وتطفئ الأنوار. تنزل الدرج فتفاجأ بصديقتها ذات العيون الطيبة (الآن محجبة ومتزوجة وتنتظر مولودها الأول) في انتظارها عند مدخل البناية. ‏

"أنا كنت عارفه إنك هتعملي حاجة زي كده. إزاي؟! إزاي يجيلك قلب تعملي كده؟!"
"يا خبر! والنبي ماتزعلي! أنا ماكانش قصدي امشي كده...عشان خاطري ما تزعلي...كل حاجة حصلت فجأة!"
"يا خاينة!"

تتركها صديقتها وتعود لسيارتها تبحث بداخلها عن شيء ثم تعود لها بمظروف كبير.‏

"أنا جبتلك دي. اتصرفي بقى...شوفي لها مكان في شنطك. مش مشكلتي إنك قررتي تهربي كده!"

تفتح المظروف لتجد لوحة صغيرة لعصفور ناصع البياض يطير بحرية خارج قفصه في سماء زرقاء رائعة. العصفور يبدو سعيداً وهادئ البال، القفص يبدو صغيراً ولكن قوياً، والسماء تعد بالكثير. ‏

"دي...دي...يعني...مش عارفه أقول إيه...دي جميلة أوي! ده رسمك إنتي؟!"
"لأ يا بطيخة. أجّرت رسام متنكر وخليته يرسمك من غير ما تاخدي بالك! طبعاً أنا اللي رسمتها! مين تاني عارفك كويس زيي كده؟" تبتسم وتمتلئ عينيها حناناً. ‏

تسأل بجدية وحزم: "مين أكتر واحدة صاحبتك في الدنيا دي؟"‏
"إنتي".
"ومين اللي هتكون دايماً موجودة وقت ما تحتاجيها؟"
"إنتي".
"ومين يا هانم اللي هتوصلك المطار دلوقتي لأنها طلعت أذكى منك بمراحل وفقساكي؟ مين؟!"
تضحك وتضحك وهي تحاول ألا تبلل دموعها اللوحة: "إنتي!"‏
"كان نفسي تكوني موجودة لما أولد. كنت عاوزاكي تبقى أول حاجة ابني يفتح عينيه عليها".
"ما تخافيش يا حياتي، أنا قريت إن الأطفال مش بيفتكروا أي حاجة عن حياتهم قبل سن تلات سنين، وأوعدك إني هاكون هنا قبل ما يبقى عنده ذاكرة أصلاً". ‏‏‏
تضحك وتهز رأسها: "أنا عارفه إن لسه عندك وقت على ميعاد الطيارة. تعالي نتمشى شوية". لا تجادلها. تأخذ يدها وتسيران.‏

تسألها صديقتها: "إنتي عارفه يعني إيه وطن؟"‏
"ما أظنش إني بقيت عارفه إجابة السؤال ده خلاص".
بطيخة...كالعادة...هتعيشي وتموتي بطيخة! الوطن يا حياتي هو المكان اللي لما ترجعي له هيرحبوا بيكي وياخدوكي وسطهم غصب عن عينهم. إنتي عارفه كده مش كده؟ عارفه إن إحنا دايماً هناخدك وسطنا في أي وقت ترجعي فيه؟"‏
"بطريقة مجنونة ولا منطقية وغبية جداً...أنا عارفه ده".

في طريقهم إلى المطار والمناظر تتسارع أمامها تفكر: "إن...يمكن...يمكن أنا مش شجاعة زي ما كنت... يمكن أنا بقيت أشجع. ويمكن...احتمال يعني...إني مش مندفعة ولكني ماشية بشويش أوي في الاتجاه الصح. ومعايا الدليل مرسوم في لوحة وكله حب. ‏

..........................

*من قصيدة "مقال عن النقد" للشاعر الإنجليزي ألكسندر بوب

** من رواية "قصة مدينتين" لـتشارلز ديكنز