1
في محاولة للقضاء على الوقت، نزلت في المساء قاصدة محل الخردوات، فلحقته قبل أن يغلق بدقائق. اشتريت إبر تريكو وعدة بكرات من الصوف تتمازج فيها درجات الكحلي والأسود. في المحل، سألتني البائعة إن كنت أُريد إبر رفيعة أم سميكة، أجبت بدون تردد: "الرفيعة". حاوَلت بلطف أن تنبهني إلى أن الإبر الرفيعة أصعب في الشغل، ومع الخيط الرفيع الذي اخترته ستأخذ الكوفية وقتًا طويلا حتى انتهي منها. لفتت نظري إلى أنها ستكون عملية متعبة ومملة، خاصة مع اللون الغامق الذي اخترته، حيث من الصعب رؤية الأخطاء في الغرز الضيقة. لزمت الصمت طوال حديثها، ولكن عندما نصحتني بلون آخر، نظرت لها ببرود وكررت: "الرفيعة من فضلك".
دفعت ثمن مشترياتي وخرجت من الباب، ثم استدرت وعدت للبائعة: "هذا الصوف ليس لكوفية؛ إنه لغطاء.. غطاء كبير.. غطاء ثقيل".
2
أنظر في الساعة: التاسعة والربع. أتنهد. أرتب المكان حولي حتى أستطيع أن أرحل في موعدي. ألتقط الإبر وأُكمل الكوفية، البيضاء هذه المرة. أُحب هذا الشكل؛ غرزة وغرزة، غرزة "معدولة" وغرزة مقلوبة. تصنع هذه الغرزة شكل جناحين.. أو قلب صغير. انظر في الساعة: التاسعة والثلث. تدخل المحل سيدة ترتدي معطف أسود طويل. تسأل عن مكان التريكو فأتنهد وأنا أراهم يشيرون إلىّ. اللعنة! سأتأخر! تبدو السيدة كأنها تعرف ما تريد، لكن عندما تختار إبر رفيعة وخيط رفيع، أحاول أن أنصحها. تبدو سرحانة؛ لابد أنها تفكر في كوفية لعزيز لديها. هل سأجرؤ يومًا أن أعترف أنني صنعت له ثلاث كوفيات؟ وحذاء صغير للرضيع المستقبلي؟ وقبعة صغيرة؟ وبلوفر صغير؟ انظر في الساعة: التاسعة والنصف. يبدو أن هذه هي كوفيتها الأولى. الكوفية دافئة، حميمة، وحنونة، وإذا صُنعت بعناية، تبدو وكأنها هالة تُحيط بالشخص الذي يلبسها، كأن حول رقبته طوق مكتوب عليه: "محظوظ". تُصر السيدة على اختياراتها وتدفع ثمن مشترياتها، وقبل أن ترحل تستدير وتقول لي أن الصوف لغطاء وليس لكوفية. يا لها من رومانسية!